قال مصطفى عبد الدايم عضو ما يسمى باتحاد الصحفيين والكتاب الصحراويين، إن المحتجزين بتندوف ليسوا على إجماع حول مستقبلهم وأن خيار الحكم الذاتي متداول ومطروح وله امتدادته في المخيمات ولكن «يجب ان نوضح اننا بصدد الحديث عن المخيمات وهي مجال مغلق ومسيطر عليه ليس فقط من طرف المخابرات الصحراوية ولكن ايضا كما اشرتم من طرف الجزائر التي حولت البوليساريو والصحراويين بمخيمات تندوف الى رهينة».
مصطفى عبد الدايم في هذا حوار مع بوابة الصحراء تحدث عن واقع المخيمات وما يجري بها من عنصرية وعبودية واستغلال ومن طغيان القبلية. كما تحدث عن ترويج المخدرات وتهريب المعونات واغتناء قيادة البوليساريو من هذا الأمر.
*واجه ابراهيم غالي في صلاة عيد الفطر احتجاجات ، وفي ثالث عيد اضطر إلى مغادرة اجتماع غاضبا بعدما تحدث بعض المحتجين عن العنصرية والقبلية داخل القيادة. هل نفهم أن البوليساريو فقدت ما تبقى لها من سند ؟
ان الجواب عن هذا السؤال بتعجل ودون تمحيص , قد يوقعنا في تسطيح للأمور لن يحقق غايتنا في الكشف عن الحقيقة , لذلك اعتقد ان الجواب عن هذا السؤال يستدعي الكشف بكل جرأة وموضوعية ان كل ما يحدث في البوليساريو إنما هو نتاج لخصوبة الرغبة المتعاظمة في امتلاك السلطة ,وممارسة التسلط بما يسهل عملية الاغتناء الكبير، وتوزيع الغنائم والمنافع على قاعدة الانتماء القبلي. ان هذا الانتصار المباشر للقبيلة , والاستمرار في الخضوع للنظام القبلي المنخفض التكلفة السياسية، هو الذي مكن من تعرية العقم الفكري لتجربة البوليساريو، ودخول هذه التجربة في انغلاق سياسي يجتهد تحت مسميات مختلفة من اجل محو الذاكرة، واغتيال رفيق الامس، وتمجيد الحقد والكراهية، وتعبيد كل طرق التجهيل واشاعة الفراغ ... وفي ظل كل هذه المقدمات بالاضافة الى الاشتغال لضمان سيادة دولة القبيلة تشجيع الخصومات البينية، واحياء النعرات القبلية واذكاء نيرانها، وبث روح التنافر والتباعد , وارشاء المجتمع، واعتماد شواهد الولاءات , وتهميش الكفاءات ... كل الذي سبق كان يمهد الطريق لكي ترتفع اصوات الاحتجاج في وجه قيادة البوليساريو التي اعترف ابراهيم غالي نفسه انها تعيش على التهنتيت . لقد اضحى من المستحيل ان يستمر السكوت على واقع سياسي تشجع فيه البوليساريو صراحة وعلانية العنصرية وترعى العبودية وكمثال على ذلك حادثة ( بركة سهلة لعروصي ) الذي حرمته البوليساريو من منصبه كمنتخب بسبب لون بشرته الاسود , واما القبلية فيكفي ان استشهد بواقعة تجار المخدرات الذين عاثوا امام مراى ومسمع كل سلطات البوليساريو ومخابراتها رعبا بمخيمات اللاجئين الصحراويين دون ان يطالهم التوقيف والمساءلة لانهم ينتمون لقبيلة الدولة , بل هؤلاء البزناسة الذين يحتمون بنافذين في البوليساريو جهروا يقيام دولة القبيلة عندما اقاموا سدود مراقبة وتفتيش واعلنوا انه ( ال ركيبي يتخطى ) وغير هذه الوقائع كثيرة وموثقة ... اقول ان ارتفاع الاصوات المحتجة على تردي الاوضاع بمخيمات الصحراويين بتندوف هي الامواج التي تدفعها الى السطح ما سبق ذكره , والاحتجاج على ابراهيم غالي بالضبط لطبيعي ,لانه هو نفسه شجع القبلية منذ عملية الخنكة عندما تنازل عن بندقية كانت غنيمة لجندي اسباني اصله صحراوي وابن عم ابراهيم غالي هذا من جهة ومن جهة اخرى اؤكد ان البوليساريو( ببنيتها القبلية , ونزوعها المتزايد لاقامة دولة القبيلة , واعادة انتاج نفس نموذج الديكتاتوريات العسكرية العربية ) قد افلست . وعليه ألم يصبح لزاما على الصحراويين في كل مكان مواجهة ما نعيشه من " اختناق سياسي " والإبتعاد السريع عن دائرة الإجترار العاطفي لهذا الخطاب الرسمي العسكرتاري , وذلك بامتلاك شجاعة التصريح أنه ( لامستقبل للصحراويين في ظل هذا الطغيان المتزايد للإنتماء للقبيلة ، وفي ظل هذا الإفساح السياسي للتعبير "الاستقوائي " بالولاء للقبيلة ولدولتها ، وفوق هذا يبقى الخطير هو هذا البروز القوي واللافت لحضور القبيلة ضمن مؤسسات الدولة ، والأخطر هو شرعنة هذا الحضور في مؤسسات الدولة والترويج له باعتباره من ضمن مؤسسات الوطن ). وعليه هل مازال من الصائب الحديث عن دولة صحراوية ، لأن ( الحديث عن الدولة لا يستقيم إلا في ظل الإنهيار التام للنظام القبلي التقليدي , هذا الإنهيار الذي يستحيل أن يتحقق مادامت الدولة الصحراوية ومنذ النشأة بلورت وجودها بالعمل على استيعاب الزعامات المحلية ، وتعزيز سلطتها القبلية لاستدراجها للقبول بالحياة في إطار سلطة مركزية ، وبمعنى أوضح أن الدولة الصحراوية التي لم تكن ولادتها ولادة طبيعية على أنقاض المجتمع القبلي التقليدي الصحراوي ، أوجدت نفسها قسرا وليس وفق صيرورة تاريخية ، لذلك كان واجب وجودها الحفاظ على النظام القبلي التقليدي الذي بدونه لا يمكن تحقيق إجماع وطني مستعجل , اجماع سيظل محكوما بذهنيات لم تعرف أي وجود تاريخي فعلي للسلطة ، وتربت على هذا النزوع الفطري للخضوع للروابط القبلية ورفض السلطة ...
لذلك مخطئ من يعتقد أن البوليساريو قادرة على إخضاع جميع الصحراويين ودون تمييز للإلتزامات القانونية والدستورية راهنا أو مستقبلا ، لأن كل مؤسسات البوليساريو محكومة في عملها بتقديس وتقديم الولاء للقبيلة على الولاء للتنظيم السياسي ، وبما أن القبيلة هي المتحكم في كل مؤسسات البوليساريو، وبما أنها – أي القبيلة- تقوم في جوهرها على تراتبية صارمة فإن الاعتقاد في إمكانية نشوء ديمقراطية حقيقية ضرب من الخيال وإلغاء لواقع قبلي قوي ومتجذر . وعلى سبيل المثال فقضية العبيد لا يمكن للبوليساريو الحسم فيها والتخلص النهائي منها والقضاء عليها ، لأنها بذلك ستكون في مواجهة القبيلة المشرعنة لهذه التراتبية .
هذا هو الواقع السياسي والاجتماعي المختوم بعقم فكري بمخيمات تندوف وهو ما يستدعي حالا ومستقبلا مواجهات بين الصحراويين من الدرجة الثانية والثالثة وما يليها وبين البوليساريو راعي دولة القبيلة.
هل الغضب داخل مخيمات تيندوف أفرز تيارات أخرى وهل لتيار خط الشهيد امتدادات قد تسير في اتجاه خلق بديل يمكن أن يكون بداية لحل قضية الصحراء؟
ساكون مباشرا في الجواب على هذا السؤال الثاني واعترف بضرورة مواجهة ازمتنا وهي ازمة ثقافية جوهرها منطق الاستكانة للصوت المفرد ، والتطبيع الانتفاعي مع إدامة الانتظارية، وعلى تعميق خنادق الأنا، وحواجز تملك الحقيقة، وردم كل الحوافز المؤدية الى إثارة الصراع الثقافي .. فالثقافة ارض صراع بين من ( يعلن الهروب نحو الماضي في مواجهة الحاضر )، وبين من يسعى إلى ( تحطيم الجامد والصوت الواحد ، والإقرار أن المتغير إنساني، وأن تعدد الأصوات وتنوعها يرسخ الحوار الديمقراطي ، ويخدم العلاقات الإنسانية ويطورها )، لذلك اجزم انه مهما كان حجم الغضب الشعبي ضد البوليساريو فانه مالم نصنع فرصا حقيقية لمراجعة فكرية تشكل معبرا لخلاص جماعي من هذه الاسس القبلية ومن هذه الذهنيات التقليدانية , وما لم نسعى جادين ومجتهدين من اجل وضع ارضية مشتركة تؤكد ان انحرافات البوليساريو ليست قطاعية , وليست لتباين في الامزجة والتاثيرات الشخصية , بل لان البوليساريو هو تزكية لنموذج متخلف لدولة القبيلة , ولان البوليساريو يعمل بكل الوسائل على اعادة انتاج لنفس تجارب الديكتاتوريات العسكرية العربية . نعم هناك تيارات تعتمل في الجسم الصحراوي تحتاج كما سبقت الاشارة الى ذلك امتلاك ادوات جماعية لصنع مراجعة فكرية .ومن هذه التيارات خط الشهيد الذي لا يمكن ان ينكر احد امتدادته داخل المخيمات وان كان في نظري يحتاج الى بلورة خطاب ينحى نحو خلخلة الثوابت واستبعاد الاختلافات حول فقط الاسلوب , لان الخلافات يجب ان تعري الاساسات والبنيات .
*هناك غضب داخل المخيمات من تورط قيادات داخل البوليساريو في تجارة المخدرات وتهريب مواد المعونات الإنسانية، هل هناك وقائع بهذا الخصوص؟
مافيا المخدرات حقيقة وواقع يومي , واضحى المواطن الصحراوي بمخيمات تندوف تحت عجرفة هذه المافيا التي تمتلك نفوذا متزايدا مكنها ( هذه المافيا ) أن تعيث رعبا وفسادا بل وتحديا لسلطة البوليساريو وهو ما لا يمكن حدوثه لولا وجود رؤوس هذه المافيا في قمة هرم البوليساريو وكمثال فقط على ذلك اعتقال المغرب ابن ادا لحميم احد قيادات البوليساريو , وهناك طبعا سرقة كميات من المخدرات من سجن الرشيد سابقا المقر الحالي للمخابرات وهي عملية السرقة التي لا يمكن تصور حدوثها ما لم يكن الفاعلون محميون من جهات نافذة داخل البوليساريو لانه لحد الساعة لم يتم توقيف الفاعلين رغم شهادات درك الحراسة , ومن الوقائع ايضا سرقة سيارة رباعية الدفع من مركب الحافظ وهي تابعة لقوات التدخل , ورغم معرفة الجناة واستعمالهم السيارة في نقل المخدرات لا انه لم يتم توقيف أي احد او متابعته , ونفس الشيء وقع مع تجار المخدرات الذي هاجموا دائرة اغوينيت بولاية اوسرد بتندوف ورعوا ساكتنها واعتدوا على غيرهم من تجار المخدرات , ولكن وبعد انقضاض بعض الشباب الصحراوي هناك عليهم وتسليمهم لوزير الداخلية ورئيس المخابرات اطلق سراحهم فورا بتعليمات عليا قيل انها صادرة عن ابراهيم غالي نفسه وهو ماشجعهم على الاعلان نكاية فيمن اوقفهم ان ( ال اركيبي يتخطى ) وغيره لا مكان له في دولة القبيلة.
ان تجارة المخدرات والتلاعب بالمساعدات الانسانية يمكن اثباتها من خلال الاغتناء الفاحش الذي يتمرغ فيه قادة البوليساريو ومن والاهم ويكفي ان من يعيش في مخيمات تندوف شتاءا وصيفا هم هذه الاقليلات التي لا حول ولا قوة لها، اما القيادات ومن والاهم فيعيشون عيشة الملوك بالدزائر واوروبا ويمتلكون ارصدة ضخمة في ابناك خارجية ...
* حاولت قيادة البوليساريو أن تستغل محاكمة قضية أكديم إيزيك، لكن الأمر سقط في يديها لكون الملف قانوني وليس سياسي، هل فطن المحتجزون في تيندوف إلى حجم اللعبة وإلى ما تسوقهم إليه قيادة تشتغل وفق أجندة جهات معروفة؟
سأحرص من البداية على الاعتراف اولا ان محاكمة معتقلي اكديم ازيك عرت حقيقة انه ( كيت ال جات فيه ) , وثانيا عرت ان البوليساريو لا يهمها الشق الانساني في استمرار معاناة عائلات المعتقلين بقدر ما يهمها العائد السياسي من هذا الاعتقال . والاعتراف ثانيا انه بعد صدور الاحكام تبين ان البوليساريو لا تملك التحكم في نبض الشارع بل وفقدت كل مصداقيتها اللهم من جماعات متفرقة تعلن في كل مرة عن ( وطنية مدفوعة الثمن ) .
وبالعودة الى سؤالكم اقول ان البوليساريو فعلا سقط في ايديها لذلك فرضت تهريب المحاكمة للابقاء على هوامش استغلالها سياسيا , وفي اعتقادي الشخصي انه بتهريب المحاكمة اعترفت البوليساريو انها محاكمة قانونية وانه لا قبل لها بدحض الوقائع وتكذيب الشواهد .. فالمثبت في تاريخ المحاكمات السياسية عموما وتلك المتعلقة بالصحراويين خصوصا ان الانسحاب حصل دائما في بداية الجلسات واثناء ما يسمى بالدفوعات الشكلية ومتى رفضت المحكمة دفوعات هيئة الدفاع , اضف الى ذلك ان من ينسحب من الدلسة هي هيئة الدفاع وليس من هم في حالة اعتقال , ولذلك شكل الانسحاب من المحاكمة واثناء مناقشة الجوهر استثناء شكل سابقة غير مبررة قانونية وكشفت انها للاستغلال السياسي لا اقل ولا اكثر.
للاسباب المذكورة اعلاه عموما وتخصيصا فان البوليساريو بهذه المحاولة الفجة للابقاء على ملف معتقلي اكديم ازيك رائجا سياسيا اسهمت في بلورة وعي متقد داخل المخيمات ينفر من هذه الالاعيب التي لا تهتم بالانسان قدر اهتمامها بتلميع صورة البوليساريو بينما في الواقع تحولت الى تنظيم مافيوزي يراكم الثروة ويخلد الزعيم واكبر دليل على وعي الصحراويين بهذه الحقائق مجتمعة ومحاولة استغلال محاكمة معتقلي اكديم ازيك هو رد فعل الشارع الباهت بعد صدور الاحكام على معتقلي اكديم ازيك هنا وهناك في المخيمات الذي قرات فيه شخصيا ادانة لتهريب البوليساريو لهذه المحاكمة ورفض الجماهير الصحراوية هنا وهناك لاسلوب البوليساريو في الاستغلال السياسي لاي واقعة دونما مراعاة للجانب الانساني او الوقوف الصريح الى جانب تحقيق محاكمة عادلة تحترم معادلتها الصعبة ولكن الضرورية قرينة البراءة وعدم الافلات من العقاب.
*هل هناك من تململ حول مقترح الحكم الذاتي، خصوصا في المخيمات أم أن الآلة المخابراتية الجزائرية ما زالت مهيمنة ومانعة لكل محاولة الخروج عن طوعها؟
يوم بعد يوم تتأكد حقيقة أن الصحراويين مختلفون كل الاختلاف حول مستقبلهم , وأن فيهم من يرى ان مستقبل الصحراويين في اندماجهم مع المغرب , ومنهم من يرى هذا المستقبل في الحكم الذاتي , كما ان فيهم من يراه في الاستقلال .. طيب عندما تكون هذه القاعدة الثلاثية هي قناعة الصحراويين فمن ذا الذي يستطيع ان يمنع وجودها بين الصحراويين في كل أماكن تواجدهم بما في ذلك مخيمات اللاجئين الصحراويين بتندوف , وبين الحين والآخر تروج فيديوهات من داخل مخيمات اللاجئين الصحراويين تمجد الحكم الذاتي وتعتبره خيارا ناجعا .. وعديد قيادات البوليساريو عادت الى المغرب بعد اقتناعها ان الاستقلال ليس حلا واقعيا لقضية الصحراء , وان الحل الانسب للصحراويين هو الحكم الذاتي، وبما ان هذه القيادات لها امتداداتها الاجتماعية وتقاطعاتها الفكرية والمرجعية مع عدد من الصحراويين بالمخيمات فالاكيد خيار الحكم الذاتي متداول ومطروح وله امتدادته في المخيمات ولكن يجب ان نوضح اننا بصدد الحديث عن المخيمات وهي مجال مغلق ومسيطر عليه ليس فقط من طرف المخابرات الصحراوية ولكن ايضا كما اشرتم من طرف الجزائر التي حولت البوليساريو والصحراويين بمخيمات تندوف الى رهينة .