كان عندنا وزير أول غير كيهضر شوية كيسخف ويسخف معاه المغاربة كاملين، وولا عندنا دابا وزير أول ولا رئيس حكومة ما كيساليش من الهضرة تبارك الله. ومنذ أيام ونحن نشاهد الكلمة التي ألقاها عبد الإله بنكيران في إخوانه داخل حركة التوحيد والإصلاح بالدار البيضاء، كنا نقول لأنفسنا إن حظنا جيد لأن الصدفة والزمن والواقع السياسي، كل هاته العوامل، أهدتنا اليوم رئيسا للحكومة قادرا على الكلام على الأقل إن لم يكن قادرا على الفعل.
والحق أن مهمة أي وزير أول في المغرب بعد صديقنا عباس ستكون سهلة للغاية، وهو كلام للتاريخ لا يجب أن نطيل فيه لأن عباس وحكومته الآن إلى زوال، والتبئير كل التبئير هو على الحكومة الجديدة خصوصا وأنها ليست حكومة عادية نهائيا، بل هي أول حكومة يقودها إسلاميون في المغرب، وهو حدث تاريخي له ما له من تبعات بالتأكيد، وسيشكل محطة فاصلة بين مراحل سياسية عشناها في البلد، وبين مراحل سنعيشها في المستقبلين القريب والبعيد.
وقد دهشت حقا _وأنا الذي أنصت للمرة الأولى لخطاب كامل لبنكيران من البدء حتى الختام_ للقدرات الخطابية للرجل، وللمواهب الكلامية التي يمتلكها، والتي جعلت خطابه أو خطبته أمام أعضاء حركة التوحيد والإصلاح في البيضاء تحفة فعلية في فن الكلام ستظل للتاريخ، يمكن من خلالها التعرف على كثير الأشياء التي تشكل فكر الرجل، لكن يمكن قبل ذلك بها الاعتراف له بالتفوق في هذا المجال اللفظي في انتظار رؤية تفوقه في المجال الحكومي الذي ينتظره المغاربة، وفي مجال إصلاح أحوال البلاد والعباد مما يهتم له الناس وبه أكثر من اهتمامهم بما قد يقوله بنكيران من كلام.
وقد فاجأت زميلا لي اعتبر أننا عارضنا بنكيران قبل الوقت بالقول إننا لم نعارضه لحد الآن، وإنما عبرنا عن تخوفنا على الحريات التي نعرف أن العدالة والتنمية يعارضها ويعاكسها في البلد منذ زمن بعيد، وأننا مستعدون للتصفيق للرجل ولحكومته إذا ما بدا لنا فعلا أنه استطاع التحرك بالبلد من الحال الذي هو عليه إلى حال أفضل. ذلك أننا _وهذا الكلام التوضيحي هام للغاية لئلا ينجر الرأي العام وراء الكلام الفارغ عن الاستئصاليين والحداثيين المتطرفين المعادين لكل ما هو ديني_ نريد فقط الخير لهذا الوطن، وإذا ما كان هذا الخير سيأتي على أيدي دينيي السياسة أو متدينيها (والأمر سيان على كل حال) فمرحبا به بكل افتخار. أما إذا كان هؤلاء سيأتون لكي يجهزوا على ما بناه المغاربة بينهم من قدرات على الانفتاح على كل شيء منذ بداية العهود والعقود، فهذه مسألة دونها الموت قبل الوصول إليها.
ولمن يتصورون أننا وقفنا الموقف العدمي من البدء دون انتظار رؤية عمل الرجل وفريقه الحكومي المقبل، نقول إن الأمر غير صحيح البتة: نحن عبرنا عن خيبة أملنا بعد هزيمة قوى الحداثة في هذا البلد، وقلنا إن اكتساح حزب مثل العدالة والتنمية للمشهد السياسي الانتخابي هو زلزال يجب أن يحرك الراكد داخل هذه القوى وأن يدفع من بقي حيا من أمواتها للتحرك من أجل تدارك ما فات وما ضاع وما لم يعد قابلا للتدارك نهائيا. تماما مثلما كتبنا وقلنا إن الأحزاب الموسومة بالديمقراطية والتقدمية والوطنية _وما إلى ذلك من الأوصاف التي اتضح اليوم أنها كاذبة بالفعل_ جنت فقط ثمن ابتعادها عن الديمقراطية الداخلية، وتفضيلها للكولسة وللعمل الحزبي في شكله القذر والأقل أخلاقية عكس العدالة والتنمية تماما الذي يشهد له الخصوم قبل الأنصار بإعمال آلية ديمقراطية داخلية متقدمة للغاية مكنته من تغيير أمينه العام في مؤتمره الأخير، ومكنته باستمرار من إيجاد السبل الملائمة لإسماع كل الأصوات داخله أو أغلبها إلى أن توفرت له سبل الاكتساح الانتخابي الأخير.
المسألة ليست سحرية على الإطلاق، والأحزاب المترهلة التي تعمد إلى طرد المخالفين أو تهميشهم أو البحث لهم عن الطرق التي تؤدي بهم إلى الانشقاقات المضحكة، هي الأحزاب التي لم يصوت عليها المغاربة في الانتخابات الأخيرة، وصفعوها دون أن ندري إن كانت قد أحست بالصفعة أم لا، لأننا لازلنا في انتظار رؤية رد فعل أولي منها بعد الصدمة القاتلة التي أصابتها ليلة الجمعة وصبيحة السبت 25 و 26 نونبر.
وبالعودة إلى الحزب الفائز الذي يؤسس اليوم لمشاورات حكومته المستقبلية، نقول إن كل خوفنا من كثير الأشياء لن يستمر طويلا، إذ الأيام القليلة المقبلة كفيلة بأن تظهر لنا ولجزء كبير من المغاربة إن كان عليهم أن يفكروا من الآن في البحث عن وطن بديل يتسع لكل اختلافاتهم عن التيار السائد، وخصوصا في مجال حرياتهم، أم أن أرض الله وبنكيران المغربية ستتسع لنا جميعا، وسيكون الاهتمام الأكبر موجها من طرف دينيي السياسة إلى الإصلاح الحقيقي: إصلاح البلد وحال ساكنتها، لا الإصلاح المظهري الذي قد يثير القيل والقال ولا ينتج لنا في النهاية إلا المزيد من الصدمات في أحزابنا السياسية، كل أحزابنا السياسية هذه المرة دونما استثناء.