يشير دستور الدولة المغربية في فصله الثالث إلى أن "الإسلام دين الدولة". قد يبدو هذا الأمر بديهياً عندنا، لطالما تعودنا كون بلادنا ذات غالبية عظمى من المسلمين منذ فتحنا عيوننا. ولكن، ألم يكن هناك سكان قبل مجيء الإسلام إلى المغرب؟ ماذا كانوا يعبدون؟ ولماذا لم نسمع عنهم حتى في المدارس المغربية؟
على عكس بلاد الجزيرة العربية أو العراق أو مصر، حيث سمع الجميع بالبابليين والفراعنة والجاهلية، يبقى تاريخ المغرب الوثني قبل الإسلام غامضاً حتى للمغاربة أنفسهم. وقد يعزى ذلك إلى ترسخ الإسلام بقوة في المجتمع، إلى درجة إهمال كل ما سبقه، وإن كانت بعض مظاهره لا تزال قائمة.
برغم شح المصادر وتعارضها في بعض الأحيان، فإنها تتفق على كون الأمازيغ هم سكان المغرب الأوائل قبل قدوم العرب والمسلمين. عرف الأمازيغ، وعايشوا، منذ قرون حضارات متعددة واختلطوا بها، نذكر منها مثلاً: الفراعنة، القرطاجيين، الرومان، الإغريق، الفينيقيين، اليهود... تأثر سكان المغرب بكل من هذه الحضارات على حدة، وكانت لهم في أحيان عدة ركائز ومعتقدات مشتركة. فمرة يعبد الأمازيغ إلهاً من هذه الحضارة، وأحياناً أخرى تعبد تلك الحضارة إلهاً أمازيغياً.
اختلفت المعبودات الوثنية في أرض المغرب، وتنوعت تنوعاً شديداً، فعُبدت الشمس والقمر والكواكب والسماء والنار والبحر والجبال والكهوف والغابات والأحراش والوديان والأنهار والأحجار والأصنام، كما ورد في كتاب الديانة عند الأمازيغيين للدكتور جميل حمداوي.
عبادة النار
مثال على العبادات الوثنية التي كانت قائمة حينذاك، وبرغم قلة المصادر، ورد وصف دقيق لعبادة النار عند بعض القبائل في كتاب "الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب" لابن أبي زرع. يشير الكاتب إلى أن موضع مدينة فاس الحالية، كان يحتضن معبداً لأتباع الديانة المجوسية قبل قدوم إدريس الأول، وتقول رواية ابن أبي زرع: "وقيل كان يسكن مدينة فاس قبيلتان من زناتة: زواغة وبني يزغتن، وكانوا أهل أهواء مختلفة، منهم على الإسلام، ومنهم على النصرانية، ومنهم على اليهودية، ومنهم على المجوسية، وكان بنو يزغتن يسكنون بخيامهم بحومة عدوة الأندلس الآن، وكان بيت نارهم في موضع يعرف بالشيبوبة"، والمقصود ببيت النار، المعبد الذي كان يجتمع فيه الناس لعبادة النار.
تحكي الرواية نفسها أن قبائل أخرى كانت تعبد الكبش بسوس. كان المغاربة القدامى كبقية الشعوب يعظمون الظواهر الطبيعية، ويقدسون الجن، ويقدمون القرابين، ويؤمنون بالشعوذة، ويعتقدون في بركة بعض الأشخاص. كل هذه الظواهر لم تستطع لا الديانة اليهودية ولا المسيحية ولا الإسلام محوها، إذ نجدها مغروسة بقوة حتى في المجتمع الحالي. فمعبد ملك الجن شمهروش يأبى إلا أن يكون شاهداً على هذا الحضور القوي، ناهيك بتقديم القرابين من مختلف الحيوانات والتبرك بأضرحة الأولياء الصالحين. حضور الجن كذلك قوي من خلال بعض العادات المتوارثة بين الأجيال، كتجنًب سكب المياه الساخنة في مجرى المياه (التي تغضب الجن)، أو وضع سكين وبعض الملح تحت الوسادة قبل النوم للحماية من الشياطين.
غير أن المعتقدات المجوسية لم تقتصر على عبادة الجماد والحيوانات والظواهر المحسوسة، بل تعدتها إلى عبادة آلهة لا ماديين، سواء كانوا خاصين بالأمازيغ، أو مشتركين مع شعوب أخرى.
أطلس وآمون من آلهة المغاربة القدامى
في هذا السياق، عبد الأمازيغ الإله الإغريقي أطلس، الذي اشتهر بحمل صخرة على ظهره، وعليه سميت سلسلة الجبال الشهيرة في المغرب. أما عن المصريين، فقد عبد الأمازيغ آمون رب الرياح، الذي عبده كذلك الإغريق والبونيقيون. في عداد الروايات المتداولة حول آمون، نجد واحدة تتحدث عن أصله الأمازيغي، نظراً لتقارب اسمه مع كلمة آمان (الماء بالأمازيغية)، رمز الأمان، كذلك لحضور الأمازيغية في مصر في تلك الفترة، وهو مستمر حتى الآن في واحة سيوة غرب مصر.
ولعل أبرز إلهة أثرت على المعتقدات الأمازيغية هي الإلهة الأمازيغية تانيت، ربة الخصوبة وحامية مدينة قرطاج. فأثرها لا يزال بادياً، خصوصاً في المغرب، عبر مجموعة من الرموز، لخصها الباحث خالد كدري في مقاله "في ذكرى الإلهة-الأم المغربية: ملاحظتان ضد عمى الرموز". الرمز الأول هو نوع من الحلي شهير جداً جنوب المغرب في سوس والصحراء يسمى تازرزيت. شكلُ هذه الحلية وتشابهها مع رمز الإلهة تانيت من جهة، ورمز الإلهة المصرية إزيس من جهة أخرى، لا يدع مجالاً للشك في دلالة هذه الحلية التي تضعها النساء حتى يومنا هذا.
رمز تانيت لم يقتصر تأثيره في المغرب على الحلي فقط، بل نجده في أشهر المنتوجات المغربية، وهو آنية الطاجين التقليدية. ألم تكن تانيت إلهة الخصوبة أحسن رمز لتمثيل آنية ملآى بالأرزاق ولها الشكل المثلث نفسه؟ قد يدعوك ذلك إلى التأمل في المرة المقبلة قبل أكل طبقك المفضل مع كوب من الشاي بالنعناع.