إذا زُلْزِلت الحكومة زلزالَها، وقال الوزراءُ ما لها، قُلْ إنّ جلالة الملك في خطابه قالها، فحانت المحاسبة بعد حالٍ ساء ووضْع تردّى، أيحسب الوزيرُ الفاشلُ أن يُتْركَ سُدى؛ فلا اجتهد الوزيرُ ولا أبْلى، ولكن غَشّ وأهمل وتولّى.. يومئذ يفرّ الوزيرُ من زميله، وصاحِبتِه، وبنيه، ولكلّ وزيرٍ مغضوب عليه شأنٌ يُغْنيه.. كنا نقول لهم احْذروا يوما لا يُغْني فيه وزيرٌ عن وزير شيئا، فكانوا يقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟ قلنا إنما العلم عند الله، وإنما أنا نذيرٌ مبين؛ فكذّبوا حتى أتاهم اليقين ولو بعد حين، يا مسكين.. فسُحْقًا للمهمِلين، وأصحاب سوء التدبير، فقيل اخرجوا من الوزارة، فهي مكان المجتهدين، ولا مكان فيها للفاشلين وعن الامتيازات باحثين..
ولـمّا بارح الوزيرُ الوزارةَ، نظر إليها من بعيد نظرة، ونفسه تعتصر عليها حسرة، فأنشد فيها قطعة، صرخ في مستهلّها صرخة: وزارةَ الرَّوْض قد هيّجتِ أشجاني، لمّا تذكرتُ كرسيا وثيرا فيكِ أبكاني؛ فمنذ طُرِدتُ من وزارة الخلد، ما ارتحتُ ولا لامس النومُ أجفاني؛ كما أحببتُ في حياتي، لكنّ حبَّكِ أنتِ يا وزارة شكْل ثاني؛ يا وزارة العز، يا أعز المباني؛ يا جنة الأرض، ياسالبة الألباب، يا ضالّة الأحزاب، يا حبّا سباني؛ حيّاكِ الله من وزارة امتيازاتُها (مْدوِّباني).. كم جمعتُ؛ كم كحَشْت؛ كم أسهلتُ؛ كم صعَّبتُ؛ وما سهّلتُ؛ وكم نمتُ، ومن النوم والبطنة ما سئمْت، وفي ذلك كنت مخلصًا، وأظهرتُ كل أشكال التفاني؛ أتوق إلى العودة، لكن حكاية (ربْط المسؤولية بالمحاسبة) من أيّ منصب آخر (حَرْماني)..
واحرّ قلباه؛ كل شيء راح، وحُرِمْتُ الحرام والمباح، ولا أحد في الأمر أفتاني.. كل الوزراء ينظرون إليّ، ولا أحد ساعدني، ولا واساني، وعلى رأسهم [العثماني].. من شدة الصدمة تألَّـمْتُ، حتى لإني نَشَزْتُ بالبكاء أمام عيالي ونسواني؛ قلتُ يا ويلتاه، كيف بعد الأبّهة سأترك في الأخير مكاني! طُلِّقتُ منكِ يا وزارة طلاقا مُكْرهًا، وهو ما يرفضه حتى الرجلُ (الشّيباني) إن هو حُرم من سحْر الغواني؛ فالوزارة هي جنة مَن [تَقَرْفد، واستأسد، وتفخّم، وتضخّم] وتلكم أروعُ الأماني.. فمَن سيحترمني بعد اليوم، ومن سينافقني بعد ما ذاب قَدْري وانحطّ شاني، واختلّ ميزاني، بين زملائي، وأعضاء حزبي، وإخواني؟ ينظرون إليّ نظرات تختلف بين عطْف، وتَشَفٍّ، ومنهم من اعتبر الإعفاء بمثابة عقاب ربّاني؛ يضحكون؛ ويتغامزون؛ وأنا أتفاداهم وفي خلْوتي لوحدي أعاني..
وَيْحي! كيف سيصبح موقفي أمام من تعجرفتُ عليهم من موظفيّي، وخصومي، وجيراني؟ أين أيام سعادة الوزير المحترم كما سمّاني المستشارُ المكّار وشبيهُه الكذّاب البرلماني؟ أين هي السيارة السوداء، وحاشيتي المتملِّقة، وربطة عنقي، وفستاني؟ مضت أيام الأبّهة، والتُّرهة، راحت أيامي، أفل نجمُها، ولّى زماني.. كنتُ أمرُّ في الشارع راكبا [خِنْزيرتي] لا أبالي، وكلما رآني أحدُهم، حيّاني، فردَدْتُ التحية بعجرفة، وحسبتُه من أعواني.. ثقتُ بالسياسة، فإذا بالوزارة أنْسَتني نفسي، وخَمْرُها أسكرني، وعِزُّها أغواني؛ كأنها امرأةٌ لعوب سلبني سحرُ عيونِها، فغرقتُ في بحر حبِّها، ثم إلى شاطئ الخيبة رماني.. صحيح كما يقال: الرَّبْطة زُغْبِيَة، لكنْ رَبْطة الوزارة من نوع ثاني..
لَكَ الله يا وزيرًا في حكومة [بنكيران]؛ ثم حكومة [العثماني].. يا من أكل اللحم، ومصّ العظمَ، وبالفضلات رماني.. يا من تمتّع، وبالسيارات وفي الطّيارات تسكّع، ومن كأس المرارة سقاني.. يا من تعمّد تعْواج القَمّونة، وكل شهر ضخامة المونة، فيما الشعب أوضاعه حديث القاصي والدّاني.. فما أخلصتَ ومن المسؤولية تملّصتَ، فما مددتَ أيادي العون لمنكوب تحت الأنقاض يعاني.. كانت الحسيمة تجزَعُ من أليم مصابها، وقلبُها يمطر وابلَ الأحزان.. ومواطنون يحرقون أجسادهم، ومرضى يموتون تحت وطأة الإهمال، كأنهم هدفٌ لرمي بنادق وسِنان.. وحرْب شُنَّت على مدرِّسين، وهم مربُّو أجيال وطن من طفلات وصبيان.. حيّاك الله يا ملك الزمان؛ هذا عدْل منك لعزة الوطن، وصوْن كرامة الإنسان.. لقد قطعتَ بسيف العدل رقابَ ثعالبَ وذؤبان؛ ورددتَ للشعب كرامتَه، وصُنتَ حقوقَه، دام لك النصرُ والتأييد بلا نقصان؛ ورفعتَ منزلة البلاد وكرامة العباد بين أرقى البلدان.. جعلك الله واسطةَ العِقد بين أهل الخير والإيمان..