منذ انطلاق ما اصطلح عليه إعلاميا “بالبلوكاج الحكومي” على عهد رئيس الحكومة المستغنى عن خدماته عبد الإله بنكيران، بعيد انتخابات 7 أكتوبر 2016، وحتى قبل ذلك بقليل، أطلق حزب العدالة والتنمية عن طريق عدد من قيادييه البارزين، ما يشبه “حربا داخلية طاحنة” بين تيارين اثنين أفرز تسميتهما التحليل الإعلامي للأحداث، “تيار الاستوزار” المساند لرئيس الحكومة البديل سعد الدين العثماني، الذي شكل تعيينه خلفا لبنكيران صدمة كبرى للحزب والجميع، ويضم وزراء الحكومة، و”تيار بنكيران” المبايع حد الثمل لبنكيران وخطواته و”تثليته” على رأس الحزب ضدا في قوانين الحزب الداخلية.
وإذا كان عدد من المتابعين، للمشهد السياسي الوطني ومنه لأساليب الصراع السياسي بين هذين التيارين داخل “حزب إخوان المغرب”، حاول ومنذ البداية “تصديق” هذا الصراع وإمكانية حدوثه داخل الحزب المبني على أساسات وأدبيات دينية يصعب شقها أو اختراقها إلا على مستوى قيادات الجماعة الإسلامية الأم، فإن كثيرين ظلوا حذرين وغير مقتنعين بهذا الصراع المفتعل أمام عدسات الإعلام، وفي الفضاءات الافتراضية، كأسلوب “تقيّة” هدفه لربما تجديد دفاعات “حزب المشروع الإسلامي” في خفاء شديد، وبغطاء متين يساعد على إلهاء “أعداء الإخوان”.
حرب الصراعات الداخلية بين إخوان الحكومة، والتي ابتدأت بحسب التنسيق المحكم للمطبخ الداخلي، إبان التعويض الملكي الدستوري للمكلف بتشكيل الحكومة، تعدد نجومها البيجيديون من جهة أولى بين الوزراء المرقمين كعزيز الرباح ونجيب بوليف و”تربية بنكيران العاق” مصطفى الخلفي، ومحمد يتيم وآخرهم مصطفى الرميد، ومن جهة ثانية بين “المناضلين” المنتشرين بكل مكان وفي فضاءات الفيسبوك بكثرة، قبل أن تنتقل للضفة الأخرى الغزيرة بالمدافعين عن بنكيران والذين قاموا بترقيته لمرتبة “الزعيم”، فصاروا يصدّون بصفتهم “دروعا بشرية” كل من سولت له نفسه استهداف زعيمهم أو كشف شيء من مستوره، في اتمام مدروس لمسيرة جعجعاته وقهقهاته التي لم يتوقف عنها إلا خلال فترة عمرته الطويلة.
في مقابل الصراع السطحي لإخوان البيجيدي الذي أخذت في العموم صفة “حرب مواقع وزارية حكومية زعاماتية”، انبثق على ما يبدو تيار جديد على رأسه “قيادية الرواتب المتعدد” أمينة ماء العينين، وبرلماني طنجة الخمليشي، وغيرهم، حاول صباغة نفسه بصفة “الحكامة”، في محاولة تأكيد للمتابعين بأن الحزب ومهما بلغت حدة “نقاشاته” سيبقى متماسكا وستبقى أصوات الرزانة متواجدة فيه، بمنطق “فأصلحوا بين أخويكم”، حتى لا يفرح كثيرا المتربصون بالحزب والمنتظرون لسقوطه المدوي.
كل ما سبق ذكره، وإذا ما أضيفت له سيناريوهات النقاش المتعلق بتمديد ولاية ثالثة لبنكيران على رأس الأمانة العامة للحزب، ضدا على قوانين الحزب، والتي انطلقت مباشرة بعد الإعفاء من تشكيل “حكومة البيجيدي الثانية”، سيؤكد لاحقا وحتى قبل خرجة مصطفى الرميد الفيسبوكية التي وصفت بـ”المدوية” في وجه بنكيران، وقبلها خرجة عزيز الرباح التي اعتبرت “تهديدية” لمصداقية الحزب ككل، أن الإخوان يمارسون اليوم على الشعب والمتابعين للمشهد السياسي، فقط ما يمكن تسميته بـخدعة “التّقية السياسية” التي ستفيدهم أكثر مما يمكن أن تضرهم.
ما يؤكد فعلا الكلام السالف، وينفي نظرية وجود أزمة حقيقية داخل دواليب “حزب الخطيب” بين تياري بنكيران والعثماني، الخطوة/الخطة غير المفهومة التي أقدم عليه سعد الدين العثماني نفسه قبل حوالي شهر، بصفته رئيسا للمجلس الوطني للحزب، حين دعا لجنة الأنظمة والمساطر للاجتماع منتصف اكتوبر الجاري حتى دون أدنى مقاومة من العثماني وتياره، والتي خلصت لتعديل المادة 16 من النظام الأساسي للحزب، قبل عرضها في دجنبر المقبل خلال المؤتمر الثامن للحزب، لتأكيد الولاية الثالثة لبنكيران بتصويت في الغالب سيكون “شكليا”.
فإذا كان هذا الصراع الذي يحاول اليوم البيجيديون إقناعنا بأنه حقيقي، وبأنه النهاية المرتقبة الحقيقية لتشتيت حزب مشروع الإخوان بمغرب ما بعد 2011، فمن يا ترى هذا الذي أنزل على العثماني ومن معه، وحي مهادنة بنكيران في عزة الأزمة المفتعلة، ليمهد له طريق إمساك الحزب مجددا بقبضة من حديد ستغير مسمى الحزب ربما لـ”حزب بنكيران المفدى”؟!
برلمان.كوم