لا زال الخداع والتلبيس سيد الموقف..انطلق أمس الجمعة مؤتمر في الدار البيضاء، من تنظيم سراق الله، وضعوا فيه أكثر من جهة منظمّة، بينما الحقيقة أنّه مؤتمر الوسطية الذي انبثق ذات يوم من مؤتمر عقد بعمان وهو تابع للإخوان المسلمين ومن في حكمهم من السلفية..الجديد هذه المرة أنّهم سيجدون الدعم من رئيس الحكومة لذا جعلوا من أطروحته المرذولة: تصرفات النبي بالإمامة عنوانا لمؤتمرهم (=علينا أن نتذكّر بأنّ قداسة النبي خط أحمر)..وهكذا، لا زالت الوهابية المشرقية تتغلغل في المغرب بفضل هذه الجماعة وفي الوقت نفسه يسعى رئيس الحكومة لكي يدخل من مداخل شتّى ليصنع من كنّاشه ذاك حالة تستمكن فيها الأفكار والدعوة بالقوة الحكومية..ولا أحد سيفهم هذه اللعبة لأنّ الجميع غافل عن سياسة التدليس التي تستثمر فيها السياسة لصالح وجهة نظر في الدين..أما خصوم هذه المجموعة من سراق الله فهم يجاربونها كما لو أنها بالفعل جماعة دينية بينما هي جماعة جاءت لتمحق الدين والدنيا..فالعلماني قصاراه يدعو إلى الفصل بين الدين والدولة، احتراما وحفظا للمقدس من المدنس، بينما سراق الله يريدون الفصل بين الدين والحقيقة وأن يبحثوا عن مساحات يثبتوا فيها المدنس في المقدس ليخلو لهم المجال، ذلك لأنّ هذه الطغمة من بني البشر لا تريد ممارسة المدنس في السياسة فحسب بل تريد ان يكون الدين شاهد زور على المدنس..والنتيجة أن لا تجد مستندا تحاسبهم به لا من الدين ولا من الدنيا وهذا هو التأسيس لأعنف أنواع الاستبداد، فهم دائما سيقولون لك: نحن اجتهدنا وأخطأنا فلنا أجر.دائما لهم أجر مثل المنشار ..تصرفات النبي بالإمامة هي كناش كتبه رئيس الحكومة ولم يكن له أهمية، ولكنه اليوم يريد ان يمرره عبر مؤتمر تم التنسيق له مع جماعته، كما سبق وفعلوها حين دعموا مؤتمرا للسرورية بالمغرب بمجرد أن حكموا..هذه الأطروحة ليست إبداعا ولا جديدا بل هي ممضوغ قديم لطشه العثماني من مدونات قديمة وأعاد ذات الإنشاء..والفكرة الجوهرية لهذه المقولة هي أنّ تصرفات النبي بحكم الإمامة والتي تجري في مجال الاجتهاد هي تصرفات سائر الناس يمكن إخضاعها للتجربة لأنها ليست من الشريعة..وهكذا أصبحت الطغمة الأموية الجديدة حريصة على أن تحدث شرخا في بنية النبوة واختصاصاتها لكي تجعل مساحة ما هو نبوي محصورة جدّا..ومثل هذا قد يغري من يعتقد أنّ المشكلة تكمن في النبوة، لكن سنجد أنّ هذه حيلة تاريخية كان الغرض منها منح شرعية للاستبداد، لسراق الله، وللنهج الأموي التحريفي الذي عمل على الإطاحة بكل ما هو نبوي..وذلك بتعزيز أخبار فيها استنقاص من النبي..وحيث استعصى عليهم التصرف في نبويته حاولوا التحرش بها وتصويره في الدنيا كأبله..وورث أحفاد الأمويين وابن تيمية هذا الرأي الذي يعيده رئيس حكومة يظن أنه من موقع حكومته سيقنعنا بآراء ابن تيمية..وأعجب لمن تبنى تراث المنافقين وغلّبه على تراث الصالحين..ففي الوقت الذي يعتبر كل كلام ابن تيمية صحيحا يحاول أن يحاصر نبيّا بمقولات بني أميّة..ولقد سبق وكتب: المشاركة السياسية عند ابن تيمية..وكأن ابن تيمية يصلح أن يكون منظرا للفكر السياسي الحديث تماما كمونتسكيو، بينما نستطيع أن نستبعد الخطاب النبوي باعتبار تصرفات النبي بالإمامة..في كل مورد تراهم يستشهدون بمن جاء بعد النبي وكأنه شاهد على صلاح السياسة في كل عصر وجيل، بينما تصرفات النبي في الإمامة محشورة في دائرة التخطيئ..هذا مع أن ابن خلدون حين ذكر حالات اجتمع فيها النبوة مع الملك كما في حالة النبي سليمان(ع) وحالة النبي محمد(ص)، لم يتحدث عن الإمامة هنا كعارض بل حاول أن يميز بينها وبين من تولى بعده..وهنا نكون أمام تصفية حساب عقدي لفائدة التراث الأموي وليس تأسيسا جديدا للسياسة..يستند الأمويون القدامى والجدد(أولاد معاوية) على حديث شاذ وتافه جدّا: أنتم أدرى بشؤون دنياكم..لأنّ لسان الحديث لا يقول شيئا..وهو بدهي أن الناس تعرف شؤون دنياها ولكن لماذا في تصويرنا لمحمد دنيويا لا بد أن نصوره كأبله؟ لماذا نمنحه فقط قيمة ناقل لألواح الوحي ولكنه ماعدا هذه الخدمة لا نعرف القيمة الذاتية لنبيّ سيكون حتما اعلم ممن حوله بقضايا الدنيا..ليس ها هنا مجال للتفصيل ولكن سأشير إلى بؤس هذا المنظور الأموي ملخّصا:
إنّ الجانب الذاتي للنبي هو الذي أهله ليكون نبيّا يستقبل القول الثقيل..والنفس والعقل الذان جهزا لاستقبال القول الثقيل لن يتعذّر عليهما فهم بسائط الأمور.. لا يمكن أن تصوير النبي كجاهل بأحوال الدنيا وقد تقلب في مهارات كثيرة..السيرة نفسها تؤكد على تجارب النبي في التجارة وفي كل السلوك الحضاري..أنسيتم خبر سلمان حين قال له رجل من أهل الكتاب أنتم الذين تزعمون أن محمدا علمكم كل شيء حتى الخراءة..نعم لقد علمهم النبي كلّ شيء باعتبارهم قوم كانوا يجهلون أمور دنياهم..وإذا كان محمدا يعلمهم أمور دنياهم التي لم تكن من عوائد الأعراب، فكيف يجهل ما هو من بديهيات الحياة اليومية عند العرب..تأبير النخل مثل السقاء من أحقر ما يمكن أن يعرفه عربي..ولكن المشكلة هنا أخطر، لأنّ محمدا حسب هذا الخبر التّافه أصرّ أن يقوم بأمر يجهله وحوله ناس أعلم بدنياهم..ارسم بورتريه لهذا الخبر وستجد أن ما فعله النبي حسب هذا الحديث ينزله منزله الأبله، أو منزلة ما نسميه نحن: (فضولي ومتطفل)..ومثل هذا السلوك هو نقيض للمروءة، والمروءة وكمال الأخلاق في محمد هي في الدنيا والدين..ونحن نعلم أنّ مثل هذا السلوك يخدش في العدالة التي تؤدي إلى عدم اعتماده حتى في الشهادة ولا حتى في نقل الحديث...وهم يروون أساطير كيف ان البخاري رفض أخذ الحديث ممن وهّم البهيمة بالأكل..بل إنّ هذا السلوك لو ثبت على نبي لانعكس على نبوّته..والعصمة لا تتجزّأ، بل هؤلاء لم ينفوا عنه العصمة في الدنيا فحسب، بل نفوا عنه التسديد والسداد أيضا..إنهم يعيدون تشكيل النبي على هواهم..فبما أنهم "دي صالوبار" فلا بدّ أن تأتي شخصية النبي بلهاء...وكل هذا لكي يجدوا لهم ثغرة يستوي فيها محمد مع لكع ابن لكع..وهذا الخبر على تناقضه مع بديهي الاعتقاد، ويظهر عواره بالوجدان هو حديث شاذ ضعيف من حيث الإسناد لا يمكن أن نؤسس عليه اي شيء لا في الاعتقاد ولا في سائر الأحكام..حتى مسلم حين أورده أورده كما أجاب عن ذلك النووي في شرحه بأنه أورده استشهادا، أي أن مسلم النيشابوري كان يعتمد أحيانا أحاديث شاذة من باب الاستشهاد ولكنه يضعها بحسب ترتيبها في الصحة والضعف لتسند خبرا يورده في بداية الباب، وهذا من الأخبار التي وضعها في ذيل الباب المذكور وهو وحده الذي احتوى على هذه العبارة..وهكذا حاول أولاد معاوية أن يبنوا على حديث شاذ ويتعلق بتأبير النخيل في قياس إبليس على أمور الدنيا بما فيها السياسة، وهي نقلة أحمق أهوج ، ذلك لأنّه حتى في السياسة يمكن أن يكون رجل دولة وقانون يجهل تأبير النخل فلا يقاس بهذا في تدبير الدولة..ومع ذلك لو فعلها رجل سياسة لتأثر بذلك ولم ينجح في الانتخابات، لأنه سيظهر كأبله..هذا مع أنّ السياسة فسدت في الإسلام بعد محمد، ووحدهم أولاد معاوية يريدون أن يظهروا فسادها كما لو كان اجتهادا..وكان أحرى بحراس مدرسة بن تيمية أن يخبرونا عن مواطن الخطأ في سياسة من أتوا بعد محمد وليس فقط يتستروا على تاريخ من الفساد ليقتحموا حرم محمد بحديث فاسد رواية ودراية..، وأن يخبرونا هل كانت بعض السياسات اجتهادا أم دينا..هذا التدليس الهدف منه ضرب الشخصية النبوية وإدخال الإلتباس عليها ، حيث النبي أما ان يكون معصوما أو لا يكون..إما أن يكون عظيم الأخلاق في كل شيء أو لا يكون..وأنا أعتبر حديث تأبير النخل ليس قضية معرفة بالدنيا بل خدش في مروءة نبي يفرض رأيه في أمر في حضرة خبراء ثم يعتذر صاغرا بعد أن خرّب النخيل..هؤلاء أولاد معاوية لا دين لهم..والآن انتهوا من محق كل شيء ولم يبق لهم إلا محمد يريدون التحرش به..وينسى أولاد معاوية بأن أبا بكر البغدادي وتنظيم القاعدة يؤمنون أيضا بذات الأفكار المتعلقة بتصرفات النبي بالإمامة باعتبارهم من أحفاذ ابن تيمية..هذا ليس جديدا..أما التدين المغربي فهو يتلخّص في بيت للبوصري:
فمبلغ العلم فيه انه بشر +++وانه خير خلق الله كلهم
وسأنبّه هؤلاء البله بأنّ حديث تأبير النخيل أوّلا، لم يعد من أمر الدنيا بل هو أمر شرعي من جهات أخرى، حيث الموقف الشرعي يفرض أن لا يأتي المتشرع بفعل على الظّن العام وهو يدرك أنه يحتمل ان يكون فيه خراب محصول زراعي كبير. فهذا من باب لا ضرر ولا ضرار. فكيف يسمح نبيّ أن يفعل شيئا يجهله..نعم أولاد معاوية فعلوا ذلك بالأمس وهم يفعلونه اليوم دخلوا حكومة وهم يجهلون الكثير من سبل التدبير لقطاعاتها..فحاثة تأبير النخيل تستوجب موقفا شرعيا أيضا، فتأمّل..
ثانيا: لم يورد لنا التاريخ العربي حكاية عن رجل أفسد محصولا زراعيا وأخطأ التأبير غير ما يثبته الحديث اياه في شأن محمد..
ثالثا:إنّ ما كان من أمور الدنيا لا دخل للوحي فيها معروف ومشار إليه في سياقه، وهذه تهمة للنبي أنه كان يخلط بين ما كان من دنياه وما كان من الوحي مما يوقع في إشكال عقائدي كبير..فلا حاجة للحديث عن وجوب اكتشاف ما كان من تصرفات في الإمامة، وهنا نسمي ما يقع في السياسة من هذا القبيل بالأحكام الولاياتية، وهي مدركة عبر القرائن المتصلة والمنفصلة وليس على طريقة أولاد معاوية..بهذا المعنى توحي أطروحة الأمويين الجدد إلى أن يجعلوا من أنفسهم معيارا ليس لفرز ما صحت نسبته للنبي أم لا على طريحة أهل التجريح، بل لفرز ما صحّ من النبيّ أم لا، وبهذا باتوا هم السّنة نفسها التي يجب أن يقاس بها تصرف النّبي..يريد رئيس الحكومة بهذا الفعل الشنيع والتطاول على نبيّ الإسلام أن يخرج من الحكومة بمنصب فقيه الأمّة أو صاحب المسموم(قياسا متصرفا على صاحب المعسول)..وتصبح آراء أصحاب فكرة تصرفاته بالإمامة بمثابة سنّة جديدة بديلة(=العثماني(ص))..وهذا الطموح المسموم لا حدود له ولو كان على حساب غمز شخصية نبيّ هو خير من بعث في الورى..وهي جرأة لا يقترفها إلاّ من في قلبه لوثة أموية..
رابعا: كيف يتسنى الفرز بين التصرفات والوحي في تراث مخلوط مسكوت عنه كما تصوره أفكار أولاد بن تيمية، ولو افترضنا صحة ما ذهبوا إليه فهل يا ترى سيقوم التمييز على مزاج السياسات كما يفعلون اليوم، يقبلون ما يرضون به ويمحقون ما لا يخدم مصالحهم؟
ربما سيكون لنا وقفة تفصيلية وتحليلية علمية ضدّ هذه التفاهة..لنعلّم أبناء معاوية أنّ الحقيقة المحمدية لا يمكن أن يتآمر عليها سراق الله..وبأنّ مهازل التدبير في حكومتهم لا تقتضي التصرف في شخصية النبي لتبرير هذا الانحطاط..رئيس الحكومة بهذا التصوير الأبله لشخصية النبيّ هو مجرد مقلد لتيار ابن تيمية والتيار الظاهري الذي حاربه ابن رشد فلسفة وابن عربي عرفانا ، وهّابي في صورة متعلمن، وربما سيدفعه الجبن لكي يتحدث عن تصرفات الله في الربوبية وما هو الصحيح وما هو غير الصحيح منها..فالجبناء لا يبدعون أفكارا لا في الناسوت ولا في اللاهوت، بل يكررون ما تكرر، ولكنهم اليوم وبتمكين من الحكومة يسعون للإساءة إلى النّبيّ شأنهم في ذلك شأن أولاد معاوية المجرمين..إذا أتيحت لنا الفرصة سنتناول هذا الموضوع في دائرة الفقه العقلاني وفلسفة الأحكام فيما يعرف عندنا بالأحكام الولاياتية، وهي تقوم على فقه كامل، ودعك من بهلوانيات متفيهقة حركة أصبحوا فقهاء بفضل الميكروطروطوار..وجاوزا المدى في عجرهم وبجرهم حتى بدؤوا يتطاولون على النبيّ الأعظم تحت ذريعة الاجتهاد في تقويض عصمته..
يريد العثماني وأضرابه من القشريين أن يقولوا: بأنهم قادرون على أن يخضعوا تصرفات النبي بالإمامة للفحص وبأنهم أجدر بأن يصححوا ما صحّ من تصرفه ويخطؤوا ما هو خاطئ في نظرهم، بينما المطلوب من أولاد نعاوية أن يتركوا محمدا في دائرة المقدس ويحدثونا فقط عن سياساتهم التي تقع في دائرة المدنّس...ليس للمغاربة مشكلة مع محمد(ص) بل لهم مشكلة مع سراق الله الذين يريدون أن يتطاولوا في البنيان على حساب شخصية النبيّ..ما يجهله أو يتجاهله أولاد معاوية هو أنّ محمدا في ذاته قيمة وحقيقة وعبقرية، وليس مجرد ساعي بريد بين الربّ وآبائهم من بني عبد الدّار..كلام قلته لهم منذ ثلاثين عاما ولا بد أن أكرره لعلهم يبهتون..
محمّد كله عصمة..إذا كان اجتهاد من حام حول شريعته مسدّدا بقوة الملكة فكيف بمن كان معلمّا ومربيا ومزكيا وخبيرا بالقول الثقيل، من يا ترى من أقزام الاجتهاد سيخطّئ محمّدا حتى فيما يزعم البعض أنه منطقة فراغ في الشريعة..هذا بينما المطلوب أن يجري الاجتهاد في الفهم والتعمق في المعنى لا في بيان ما كان اجتهادا منه قابلا للرّد..تصرفات النبي بالإمامة هي حيل من الحيل لتأصيل موقف: ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض )..