ألا تراهم يوهِّمون الناسَ بشعارهم المضلّل: [اختلاف العلماء رحمة]، وبيّن التاريخُ بأحداثه أن [الاختلاف نِقْمة].. ألا تراهم يقولون عبر القنوات الفضائحية إن [المذاهب تتكامل]، فيما هي تتناقض، ويكفِّر بعضُها بعضًا، وقد صغنا مقالات في الموضوع معزّزة بالمراجع؛ بل منها ما يبيح الحرام، ويبرّر الزلل والفواحش.. لماذا سنلوم من أخذ امرأةً في سن حفيدته إلى بيته، ووطأها دون عقد نكاح؟ فالرجل المتديّن، والمتظاهر بالورع والتقوى، إنما أجاز لنفسه ذلك عملا بحديث في [صحيح البخاري]، برقم [5019]؛ الجزء (03)، يقول الحديث بالنص: [أيُّما رجلٌ وامرأة توافقا، فعِشْرة ما بينهما ثلاث ليالٍ؛ فإن أحبّا أن يتزايدا، أو يتتاركا، تتاركا..].. وإذا أخذها إلى بيته لفقْرها، واعتبرها خادمة، لا زوجة، فوطِئَها (يعني زنا بها]، فلا إثم عليه: اُنظر [بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع] الجزء (09)؛ باب الحدود؛ صفحة (190).. أو انظر كتاب [تأسيس النظر]؛ صفحة (148).. أو انظر [البحر الزَّخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار]، حرف (الحاء).. فربّما نوى [الداعيةُ] بهذه الفتاة [نكاح متعة]؛ وهو نكاح فترة، لا نكاح حياة أسرة؛ و[ابن تيمية] يقول في [فتاواه الكبرى]: [إن نكاح المتعة، لا تنفر منه الفِطَرُ والعقول].. وبهذه الآثار، تنال الأوطار، عند دعاة الأقطار.. فلماذا هذه الضجة يا قوم؟!
ولربّما وهبت هذه الفتاةُ نفسَها لرجل ورع، والسيدةُ [عائشة] قالت في [صحيح البخاري]: [.. أما تستحي المرأةُ أن تهبَ نفسَها للرجل؟]؛ وهذه الفتاة ما كان الحياء ليمنعها من ذلك، وهذا ما تطالب به جمعياتٌ هدّامة حتى يجوز للمرأة أن تهب جسدَها لمن تشاء، باعتباره ملكًا شخصيًا لها.. وربّما تكون هذه المرأة قد نوت [الجهاد]، فبهذه اللفظة أجازوا سفْكَ الدماء، وحرْق الناس أحياء، ثم بالجهاد أباحوا الزِّنا؛ وفي مراجع أن [جهاد المرأة تمتّع الآخرين]، وعلى هذا الحديث ارتكز الداعية [العريفي] في فتواه: [جهاد النكاح] الذي اعتمدتْه [داعش والنصرة].. لهذا، فالداعية المحترم هو في مشكل مع المجتمع والقانون؛ لكنه في انسجام تامّ مع تعاليم التراث؛ وبسبب [الجهل] يهاجَم بلا هوادة، والناسُ أعداءُ ما جهِلوا، و[المؤمن مصاب] في كل الأحقاب..
ففي هذا التراث الملغوم، يوجد فيه كل ما يبيح لهم ما تهوى أنفسُهم من ممارسة الجنس على [شَطِّ بحْر الهَوا] إلى استدراج فتاة بوعود كاذبة، ولمسات، وهمسات، وكلمات رومانسية، مع وصْفها بالحورية، وكلٌّ مصدرُه [اللّيبدو] لا العقل الرزين؛ وصدق [فرويد] حين قال: [إن رجال الدين، هم مجرّد دمًى تحرّكها الغرائز]، والنتائج أمامنا واضحة للعيان، ولا تحتاج لدليل أو برهان.. وهؤلاء عندما يقفون أمام المحاكم لا يخجلون؛ فتجد الواحدَ منهم بلحيته الطويلة أطول من لحية [ماركس] ينظر بسخرية لكل مَن هم في المحكمة، ولا يعتبر نفسَه مذنبا، حتى وإن كان قد اغتصب طفلةً صغيرة، لأن المذهب الذي يؤمن به يبرّئُه، وإن ضاجع امرأةً ميتة مثلا فلا إثم عليه؛ لكنّ المجتمع يجهل تعاليم الدين، ومذاهبه، ورحمة اختلاف علمائه.. [إذا زنا العاقلُ بصبية لا يجامع مثْلُها، فوطْؤُها لا يوجب عليه الحد]. اُنظر كتاب: [تبيين الحقائق في شرح كنز الدقائق؛ باب الوطء الذي يوجب والذي لا يوجب الحد].
أما بخصوص التزوّج بالصغيرات، والقاصرات، فإنهم يزبدون، ويرغون دفاعًا عن ظاهرة الاغتصاب هذه؛ والمتديّنون الشيوخ، الذين لبسوا الهرم، وقوّس ظهرُهم، لكنْ انتصب [عضْوُهم]، فإنهم يستهدفون بنات الأسَر الفقيرة، لأن هؤلاء البنات [ناقصات عقل]، ولسن كبنات الأثرياء، والوزراء، أو زملائهم الدُّعاة؛ فيتلاعبون بهنّ، ويعتبروهن مجرد وسائل للتسلية كما قال [نيتشه] في نقده لهذه الظاهرة.. فتضطر الأسرةُ الفقيرة إلى إرسال فلذة كبدها للجحيم مُرغمة، ولعن الله الفقر؛ فتكون الأمُّ عادة هي الأصل في إقناع زوجها، و[الشيخ الشّبِق] يلوذ أولا بأمّ الضحية، وهنا تحضرني قصيدة مؤلمةٌ لأمير الشعراء [أحمد شوقي] بهذا الخصوص يقول فيها:
المال حلّل كلَّ غير محلّلٍ * حتى زواج الشِّيب بالأبكارِ
سحرالقلوب فرُبَّ أُمٍّ قلبُها * من سِحْره حجر من الأحجارِ
دفعتْ بُنيَّتها لأشْأم مضجع * ورمت بها في غربة وإسارِ
وتعلّلت بالشرع قلتُ: كَذَبته * ما كان شرْعُ الله بالجزّارِ
ما زُوِّجتْ تلك الفتاةُ وإنما * بيعُ الصِّبا والحُسْن بالدينارِ
بعض الزواج مذمّمٌ، ما بالزنا * والرِّق إنْ قيسا به، من عارِ
ويقول [الدعاة] إن هذا حلال؛ ويقول [عمر بن الخطّاب رضي الله عنه]: [إنّ للحلال أحيانا فتنة وخطر، فكفِتْنة الحرام وخطره].. لقد طال نومُكم يا مسلمين، واستطال تخلّفكم، حجر (الـمُتَمَسْلِمون) على عقولكم، وأصبحتم أضحوكة زمانكم؛ فمتى تستيقظون من سباتكم؟!
فارس محمد