إذا جاء الإسلام لينسف عبادة الأصنام، فيبدو أن صنما آخر وضعته الحركة الوهابية بات بدوره قريبا من التحطيم، هو "صحيح البخاري" الذي أضحى ورقة بيضاء في يد الماسكين بأمر الإفتاء ليشهروها في وجه كل من "اقترف" خطيئة التفكير.. أحد هؤلاء الكاتب رشيد أيلال الذي يضع البخاري و"صحيحه" تحت مجهر البحث العلمي.
كتاب"صحيح البخاري.. نهاية أسطورة" للكاتب المغربي رشيد أيلال (دار النشر دار الوطن)، يسافر بنا من خلال 5 فصول في رحلة تبدأ بالتشكيك لتنتهي بتحطيم أسطورة حملتها الوهابية ما لا تحتمل وجعلوها مرجعا فوق القرآن، حتى لو تعارض الوحي الإلاهي بكتاب جاء 200 سنة بعد وفاة النبي محمد.
البخاري تحت المجهر
يقول رشيد أيلال في تصريح لـLE360 دفاعا عن أطروحة كتابه، أنه "يستحيل ونحن في عصر التكنولوجيا أن يتقبل العقل خرافات صحيح البخاري، وأعطي مثالا على ذلك: اليوم يعرف صغيرنا قبل كبيرنا أن تعاقب الليل والنهار سببه دوران الكرة الأرضية حول نفسها، غير أن صحيح البخاري ينسب للرسول حديثا مفاده أن الشمس حين تغيب فهي تسجد لعرش الرحمان وتظل ساجدة حتى يأذن لها الرحمان بالشروق من جديد وتطل علينا"، فكيف يمكن تصديق مثل هذه الخرافات؟ لتكون النهاية الحتمية لمن يمحص في ذلك إما أن يلحد أو يعيش انفصاما في الشخصية، لذلك جاء هذا الكتاب كمحاولة لترك أثر للأجيال القادمة، ورسالة مفادها أننا لسنا بلداء لتصديق هذه الخرافات".
ويستعرض أيلال في حديث حديثا آخر منسوبا للرسول، مضمونه هو "فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يُدْرَى مَا فَعَلَتْ وَإِنِّي لَا أُرَاهَا إِلَّا الْفَأرَ إِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الْإِبِلِ لَمْ تَشْرَبْ، وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الشَّاءِ شَرِبَت..." فكيف سيصدق العقل مثل هذه الأمور المنسوبة لنبي الإسلام أن يشبه الناس بالفئران؟
البخاري.. المنهجية المفترى عليها
يتفاخر المدافعون عن صحيح البخاري، والذي في الاصل يحمل اسم «الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسننه وأيامه» بمنهجية صاحب الكتاب الذي لم يعلنها، إنما فقط استنبطها شيوخ الإسلام، والقائمة على "أن شرط البخاري أن يخرج ما اتصل إسناده بالثقات المتقنين الملازمين لمن أخذوا عنه ملازمة طويلة سفرًا وحضرًا، وإنه قد يخرج أحيانا ما يعتمده عن أعيان الطبقة التي تلي هذه في الإتقان والملازمة لمن رووا عنه فلم يلزموه إلا ملازمة يسيرة"، أي بمعنى أن الرواية فرع من الراوي وهو أمر لا يستقيم علميا حسب أيلال الذي يوضح أنه "مثلا لو ألبيرت انشتاين قال قولا فعلينا تصديقه حالا فقط لأن اينشتاين صاحبه بدل التحقيق في العناصر والمنهجية العلمية؟" مضيفا "الاستدلال في صدق الرواية حسب صدق الرجال هو خطأ جوهري في الجرح والتعديل ثم ان الاطلاع على تقوى الناس وما في قلوبهم امر مستحيل انسانيا، فهذا لا يصح حتى لو عاشرنا هذا الشخص لمدة طويلة، ولن يكون هذا الحكم سوى نسبي، ثم كيف يعقل حتى اذا استطاع البخاري الحكم على شيخع ان يحكم على شيخ شيخه وهو لم يره؟".
ويضيف رشيد أيلال في حديثه أن منهج البخاري ليس علميا أولا ليكون صارما، يكفي أن نستحضر أبسط تمرين يستعمل في تدريس التواصل، أن نأخذ عشرة أشخاص ونضعهم في نفس المحيط وننقل لهم نفس المعلومة، ونطلب من أحدهم أن ينقل المعلومة للآخر، لنكون في نهاية المطاف أمام معلومة نهائية تختلف عن تلك التي أعطيت في البداية، وهذا بالضبط ما تتسبب فيه العنعنة" مفسرا " الرسول اذا قال كلاما ونقله صحابي فنحن امام فهم وقول الصحابي والتابعي فهم من الصحابي وهكذا.."
كيف نال "صحيح البخاري" هذه الهالة؟
يجيب رشيد أيلال عن هذا السؤال بالقول "إن الهالة التي اعطيت للكتاب بالمغرب تثير التساؤلات، المغرب مالكي المذهب لديهم موطأ الامام مالك وهو ذوعقيدة اشعرية وتصوف جنيدي، فمالنا ومال البخاري الحنبلي؟" ليضيف أن "قيمة البخاري جاءت بسبب الفضائيات الخليجية ومعها دخل التطرف، المذهب القرآني الذي ينبني على الاختيار وعدم الإكراه.. "لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" أو من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" لا يمكن أن يستقيم مع الأحاديث المنسوبة للرسول في قوله " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى".
ويواصل أيلال استعراضه للأحاديث التي لا يمكن أن تدخل العقل وتعارض الوحي الإلهي كالحديث المنسوب للنبي "لا تَبْدَؤوهُمْ بِالسَّلامِ، وَإذَا لَقيتُموهُمْ فى الطَّرِيقِ، فاضْطَّروهُمْ إلَى أضْيَقِ الطَّرِيقِ"، وهو تناقض شديد بين كتاب الله ومعظم احاديث الرسول، حسب الكاتب أيلال، وهي أحاديث تنسف صحيح البخاري من الداخل ولا يمكن تقبل انها جاءت من نبي الإسلام.
سلمان يصلح ما أفسد شيوخ الوهابية
قبل أسبوع، تفاجأ الراي العام العربي والإسلامي بقصاصة في وكالة الأنباء السعودية، جاء فيها أمر الملك سلمان بإنشاء هيئة للتدقيق في استخدامات الأحاديث النبوية و"القضاء على النصوص الكاذبة والمتطرفة وأي نصوص تتعارض مع تعاليم الإسلام وتبرر ارتكاب الجرائم والقتل وأعمال الإرهاب".
القصاصة توضح أن المجمع "سيسهم في نشر الفكر المعتدل في أوساط الشباب وتحصينهم من الغلو والأفكار المتطرفة، وتصحيح صورة الإسلام ونشر تعاليم الدين الصحيح، كما سيكون له دور في إحياء السنة النبوية الشريفة والدفاع عنها أمام هجمات الأعداء، وسيعزز من دور المملكة في ريادة العالم الإسلامي".
وكأن بالملك سلمان يتحالف مع رشيد أيلال لتنقيح الحديث من الشوائب، حيث يعلق الكاتب المغربي بالقول "السعودية تعيش عهدا جديدا اصبحت تفرق بين الدين وتراث الدين، فالاخير هو تفاعل البشر مع الدين" معتبرا أن هه الخطوة سيتخدم المسلمين في المستقبل.
إمارة المؤمنين تتصدى للخرافات
في الخطاب الملكي لـ20 غشت 2016، وردت جملة "وهل يقبل العقل السليم أن يكون جزاء الجهاد هو الحصول على عدد من الحور العين ؟ وهل يقبل المنطق بأن من يستمع إلى الموسيقى ستبلعه الأرض، وغيرها من الأكاذيب".. الفقرة أعلاه من الخطاب الملكي ترسل إشارات قوية من إمارة المؤمنين للقطع مع الخرافات ولأفكار الماضوية، حسب رشيد أيلال، الذي يرى في كون دستور 2011 يعطي قيمة أكثر للمواثيق الدولية، إشارة أخرى أن المغرب لم يعد يتقبل أن تعشش الخرافة في رفوف مكتباته.
ولأن كتابا مثل الذي اصدره رشيد أيلال لا بد وأن يترك صدى في المجتمع، لكونه يضع قدمه على حقل من الألغام والطابوهات، فقد بدأ الأمر برفض المجلس الجماعي لمدينة مراكش الترخيص لحفل التوقيع في قاعة تابعة للبلدي، بداعي أن المنظمين لم يقدموا ما يفيد إخبار السلطات بنشاطهم، لتلغى بعد ذلك مناظرة على أثري إحدى الإذاعات الخاصة بمراكش بين صاحب الكتاب والوجه السلفي حماد القباج، أما المجلس العلمي الأعلى، فلم يصدر منه ما يفيد بالتحفظ أم منع الكتاب حسب أيلال، بل "قال إنه له رأي سيتوصل به صاحب الكتاب في حينه".
وإذا كان المجلس العلمي لم يعبر علانية عن موقفه من الكتاب، فمصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي بوجدة ومدير معهد البعث الإسلامي للعلوم الشرعية، لم يتردد في تسفيه الكتاب وصاحبه، بل هناك من نقل عنه تخصيصه لمكافأة مالية في ندوة نظمها مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، حول التراث الحديثي بالمغرب الإسلامي، قدرها 10 ملايين سنتيم لمن ينجز بحثا عن البخاري يرفع من قيمته.. في ذلك فليتنافس المتنافسون !