يعرف العالم الاسلامي انتشارا لنماذج دينية متعددة يمكن حصرها في أربعة نماذج رئيسة: النموذج الشيعي الإيراني الذي يحاول الانتشار في شمال إفريقيا وفِي غربها، ويمتد بعمق في سوريا والعراق ولبنان واليمن وشرق السعودية، كما يعمل جاهدا لخلق أقليات شيعية بأوربا تشكل امتدادا سياسيا وعقديا ومذهبيا لإيران الفارسية من جهة. وتسهل بذلك سيطرتها على النفط بالشرق الاوسط ، والتحكم في التجارة العالمية وموازين القوى العالمية من جهة أخرى.
و أمام هذه الاستراتجية التوسعية الكبرى التي ينهجها النموذج الشيعي، نجد في مقابل ذلك النموذج السلفي الوهابي بتياريه المعتدل و"الجهادي" يواجه بقوة وشراسة هذا المد الشيعي، أو لنقل الزحف الفارسي على الجزيرة العربية، . ويلاحظ المتتبع لمسار السلفية أنها لا تكتفي بالمواجهة للنموذج الشيعي بل يتغلغل في آسيا ويحاول الانتشار في أمريكا وأوربا كما أشارت إلى ذلك الكثير من الدراسات والمراكز البحثية والاستخباراتية.
ثم نجد، إلى جانب النموذج السلفي بتياريه، النموذج السني الصوفي الذي تبناه المغرب وأهله ليصبح مطلوبا لدى العديد من الدول الإفريقية والعربية والأوربية منها تونس وبوركينافاسو، وغينيا، والسنغال ، والنيجر، وليبيا ...بل حتى في الجزائر وموريتانيا اللتين تحاولان اقتباس النموذج السني الصوفي المغربي لمواجهة أفكار التشيع والتطرف والغُلو ونبذ الاٍرهاب.
ويبقى الاسلام السياسي للإخوان المسلمين بمصر وتركيا وتونس رابع النماذج التي تتصارع في هذا الفضاء الديني الشاسع والمترامي الأطراف، فبالرغم من فشل الإخوان في الاستمرار في السلطة بعد الربيع العربي بمصر وتونس بعد 2011، وبالجزائر في سنة 1992، لكنهم لازالوا يحملون مشروع الأمة الاسلامية، يتجلى ذلك في الندوات والملتقيات التي تجمع الإخوان المسلمين عبر العالم في تركيا أو في مصر أو في أوربا.. التي يتأكد من خلالها تشبثهم بحلم إقامة خلافة إسلامية راشدة. كما إن استغلال الاخوان المسلمين للدين في السياسة عبر توظيف العمل الإحساني والخيري والصحي والاجتماعي يمكنهم من حصد أصوات انتخابية مهمة ويساعدهم في ذلك الجهل والأمية والتخلف والاستبداد السياسي والفقر المدقع.
هذه النماذج الأربعة تنتشر في الوطن العربي وفي إفريقيا وأوربا وآسيا. فهل هو انتشار يتم في جو يطبعه الانسجام والتعاون والتفاهم من أجل ترسيخ معتقد الأحدية لله؟ [قل هو الله أحد] أم انتشار يعرف انفصالا وصراعا على المصالح الاقتصادية والمالية والتجارية فقط؟
إن الانكباب على هذا الموضوع والخوض في هذه الاشكالية أمر صعب وشائك ولا شك، ويتطلب من الباحث في هذا الموضوع الحياد اللازم والابتعاد عن كل الانتماءات القبلية والدينية ليسعفه الوقوف عن حيثيات هذا الموضوع بدقة ومنهجية لا تميل ولا تزيغ عن المنهج العلمي الرزين في التعاطي مع مثل هذه المواضيع.
غير أن اشواق كل اتجاه إسلامي على حدة، وأحلامه ومطامحه، تختلف من اتجاه إلى آخر، وهكذا نلحظ أنه في الوقت الذي تهدف فيه السنة إلى استعادة الريادة في المنظومة الحضارية الكونية وتقديم نفسها كفلسفة وفكر وسياسة واقتصاد وحياة اجتماعية منسجمة مع الحقوق الكونية والمواثيق الدولية. نجد، في مقابل ذلك، الشيعة تهدف إلى السيطرة السياسية على الثروات بالشرق الأوسط والتحكم في الأنظمة السياسية بشمال إفريقيا وغربها وبخلخلة النسق السياسي لدى الغرب وزرع الفتنة بينه وبين الدول السنية.
وفي هذا السياق نجد النموذج السلفي بشقيه يعمل على مواجهة هذا الهجوم الشرس للشيعة على خيرات الشرق الأوسط وهو ما تجسد في اتفاق ترامب والسعودية الرامي إلى الحد من النفوذ الإيراني بالخليج العربي والشرق الأوسط..
أما هدف الإخوان بمصر وتركيا، إنهم يحلمون بإقامة الخلافة الاسلامية واستعادة أمجاد العثمانيين والعباسيين والأمويين. هذا عن الأهداف، فماذا عن المستقبل الذي يمكن توقعه لهذه النماذج؟
يبقى مستقبل الشيعة قد يكتب لها الاستمرار لكن لن يكتب لها الانتشار ولن تتمكن من تحقيق أهدافها لأنها لا تحكمها فلسفة أو نظرية حقيقية بل هي مجرد تيار عرقي فارسي يحلم باستعادة أمجاد كسرى عبر نظرية ولاية الفقيه.
أما مستقبل السلفية، فيجب أن نميز بين تيارها الجهادي الذي يصعب عليه الاستمرار والانتشار، في الوقت الذي يمكن لتيارها المعتدل أن يستمر وينتشر عبر الانصهار في النموذج السني الصوفي..
لذك، يمكن القول: إن إمكانية الانسجام بين السني الصوفي والإخواني المسلم والسلفي المعتدل ممكنة وواقعية، وهو انسجام أثبتته التجارب التاريخية إبان الحضارة الأموية والعباسية والعثمانية عبر انصهار السلفي في الصوفي.. وتماهي التركي بالعربي مع الكردي والأمازيغي... في رفض شبه مطلق من هذه النماذج الثلاثة لعملية الاندماج الجزئي أو الكلي مع المعتقد السياسي الشيعي أو العرقي الفارسي .. والتاريخ خير أستاذ ومعلم وشاهد على هذا الاستنتاج..