دلالات فوز العدالة والتنمية وتحديات ما بعد 25 نونبر
أنشأ فوز حزب العدالة والتنمية حالة نفسية استثنائية، تميزت بإعطاء "جرعة من الأمل" لعدد من المواطنين المؤمنين بالتغيير في إطار الاستقرار، والرغبة في الانتقال من وضع يسوده الفساد والرشوة والمحسوبية والتفاوت الطبقي وضعف التنافسية الاقتصادية والفساد الأخلاقي والقيمي إلى مجتمع أفضل، تقل فيه نسب البطالة والفقر والفساد وترتفع المؤشرات الاقتصادية وجودة الحياة في انسجام مع ثقافة وهوية المجتمع التاريخية والحضارية.
تمظهرت هذه الحالة النفسية في المزاج العام السائد حاليا داخل المجتمع عقب فوز حزب المصباح، يتجلى أساسا في سقف التطلعات المرتفع الذي ينتظره المواطنون من هذا الحزب، فمن خلال عدد من الحوارات والاتصالات التي أجريتها مؤخرا مع عدد من المواطنين البسطاء بالإضافة إلى عينة من النخبة المثقفة، تؤكد كلها حجم الرهان الذي أصبح يضعه هؤلاء على هذه التجربة الجديدة التي أعطت الأمل لفئة واسعة من المجتمع، بعدما كانت قد فقدته بسبب فشل الحكومات السابقة في تحقيق الحد الأدنى المطلوب لضمان كرامة المواطن ومستوى عيش كريم في حدوده الدنيا. فبعض القصص والنكت التي تمت صياغتها عقب هذا الفوز تأكد بالفعل حجم الاهتمام بصعود العدالة والتنمية إلى الحكم.
إن فوز العدالة والتنمية يأتي في سياق إقليمي ودولي ومحلي مختلف تماما عن التجارب السابقة التي عاشها المغرب، وبالتالي لا يجوز مقارنتها مثلا بتجربة حكومة التناوب سنة 1997 لاعتبارات عديدة، أولا، فقد تمت تلك التجربة في إطار سياق سياسي مختلف تجلت في رغبة القصر أحادية الجانب في إدماج المعارضة في تسيير الحكومة بعد الوضع الاقتصادي الصعب الذي كان يعيشه المغرب آنذاك مما اضطر الملك الحسن الثاني إلى القول بأن المغرب سيعيش سكتة قلبية، في حين أن فوز العدالة والتنمية جاء بفضل مشروعية شعبية حملته إلى سدة الحكم عن طريق صناديق الاقتراع، إذ يمتلك مشروعية شعبية قوية (لأول مرة يحصل حزب على هذا العدد من المقاعد)، ثم ثانيا، لأن تجربة التناوب تمت من دون ضمانات دستورية لممارسة الحكم، فقد كانت عبارة عن "الكلمة" (بالمعنى الدارج) التي أعطاها الراحل الحسن الثاني للأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، في حين أن التجربة الحالية جاءت في سياق دستوري جديد يجعل من رئيس الحكومة "رئيس السلطة التنفيذية" أعطته صلاحيات واسعة بالرغم من ترك بعض الفراغات للتأويل، إلا أن صلاحيات رئيس الحكومة الحالي أوسع من تلك التي كانت لحكومة التناوب بنص الدستور، ثالثا، لأن تجربة التناوب تمت في فترة نهاية حكم الحسن الثاني في سياق التحضير لانتقال الحكم إلى ابنه الملك محمد السادس، وقد كان فيها النظام في وضع أكثر أريحية، في حين أن الحكومة الحالية جاءت في سياق الربيع الديمقراطي العربي وما حمله من مفاجئات، تجلت في اقتلاع عدد من رموز الفساد والاستبداد في العالم العربي، انطلقت مع بنعلي ونظامه وحسني مبارك والقذافي وصالح وبشار الأسد، وما زالت مستمرة، وهو ما يفرض على أي حاكم في المنطقة أن يقوم بإجراءات ثقة وإصلاحات حقيقية من أجل تفادي سيناريو مشابه لما وقع في الدول العربية الأخرى، وهو ما يجعل وضعية الحكومة الحالية أكثر أريحية على مستوى السند الشعبي وقدرتها على رفع سقف المطالب ما دام الشارع العربي يغلي ومستعد لتقديم المزيد من الديكتاتوريين إلى المحاكمة العادلة.
لقد كان فوز حزب العدالة والتنمية نتيجة لأسباب موضوعية وذاتية، فقد استفاد من الربيع العربي بشكل واضح، بحيث أنه سمح له بالخروج من مرحلة الدفاع ومنطق الضحية بعد تحرشات الحزب السلطوي به طيلة الفترة السابقة، إلى مرحلة تتسم بالهجوم والتجذر المجتمعي والتواضع مع المواطنين، وهو ما أكسبه حبا من طرف الناس، ويضاف إلى السياق الإقليمي، عوامل ذاتية مساعدة، فقد ساهم الانضباط التنظيمي الذي يميز بنية الحزب من تنظيم دقيق واحترافي للحملة الانتخابية، فقد كان الحزب يتوفر على جيش من الشباب المحفز ذاتيا والمناضل والمستعد للتضحية من أجل المشروع الذي يؤمن به من دون انتظار تعويض مادي عن هذا المجهود، يضاف إلى هذا وجود قدر واسع من الديمقراطية الداخلية في الحزب، وهو ما جعل 90 في المائة من المرشحين الذين تمت تزكيتهم يأتون من طرف القواعد نحو الأعلى، في حين أن الأمانة العامة للحزب لديها الحق قانونيا في نسبة 10 في المائة للتدخل في تحديد وكلاء اللوائح، وهو ما جعل حزب العدالة والتنمية نموذجا فريدا للديمقراطية الداخلية فقدته عدد من الأحزاب الوطنية والتاريخية، ناهيك عن الأحزاب الإدارية، ثم ثالثا البعد التواصلي الفعال الذي قام به مناضلوا وقياديوا الحزب مع عموم المواطنين طيلة فترة ما بعد خطاب 9 مارس وما صاحبه من حملة تواصلية في كل جهات المغرب، في إطار المبادرة التي تم إطلاقها في إطار ما سمي بـ"نداء الإصلاح الديمقراطي".
هذه الدينامية الجديدة داخل المجتمع المغربي بسبب فوز العدالة والتنمية تؤكد أن تطلعات المجتمع انتظارات المواطنين كبيرة جدا، تحتاج إلى مجهودات استثنائية من أجل تحقيق أهمها، وهو ما يتطلب ترتيبا صارما للأولويات وإجراءات سريعة لتخفيف حدة التوتر، سواء على المستوى الاقتصادي عبر إطلاق حزمة من الإجراءات التحفيزية بالنسبة للبطالة في صفوف الشباب العاطلين، أو على المستوى الحقوقي عبر الإفراج عن المعتقلين، أو على المستوى السياسي عبر تقليص النفقات العمومية الثانوية،عبر تقليص عدد الوزارات وتقليص تكاليف الوزراء وتعويضات كبار المسئولين، ويرجى أن يقدم مسؤولوا العدالة والتنمية النموذج في الزهد في الامتيازات الحكومية، هذا بالإضافة إلى العمل على تنفيذ سياسات عمومية منسجمة ومندمجة تركز الإنسان كهدف للتنمية وبكون الدولة في خدمة المجتمع وليس العكس، كما كان معمولا به لمدة طويلة.
أمام هذا الوضع، تعترض الحكومة المقبلة مجموعة من التحديات:
أولا: تكوين حكومة قوية، وفريق منسجم بمرجعية فكرية وسياسية واضحة.
ثانيا: التركيز على الأولويات، والتي تتجلى في محاربة الفساد والإستبداد والحد من الفقر المادي والمعنوي وتعزيز كرامة المواطن والرفع من تقديره لذاته.
ثالثا: تجنب الفخاخ التي ينصبها عدد من المتربصين بالتجربة، وهو ما يدفع إلى التحلي بأعلى درجة من اليقظة، وعدم تشتيت المجهودات في الرد على بعض الجهات التي لم يرقها انتصار هذا الفوز.
إذن وجب الحذر والانتباه للفخاخ، وتملك وعي استراتيجي والعمل بجد وتفان لتحقيق الأهداف، والإستجابة لانتظارات المواطنين.