أولا الإصلاح الحقيقي للإدارة، يتطلب حذْف وزارة الوظيفة العمومية، لأنها وزارة زائدة عن الحاجة.. فوظيفة المدرِّس تختلف عن وظيفة الممرض؛ ووظيفة الممرض تختلف عن وظيفة الموظف في البلدية، أو في الأوقاف، أو في أي قطاع آخر؛ لذا فوزارة التعليم كفيلة بموظفيها مثلا، وكذلك هو شأن الوزارات الأخرى الوصية على قطاعاتها المختلفة، ولا دور، ولا شأن لوزارة الوظيفة العمومية بها.. فهذه الوزارة مثْلها مثل [الزائدة الدّودية]، وهي من جملة الأعضاء الزائدة في الجسم، التي اندثرت مع تطور الإنسان البنيوي والمورفولوجي؛ فكثيرة هي المؤسسات الزائدة عن الحاجة مثل مجلس المستشارين مثلا، والأكاديميات في قطاع التربية وقسْ على ذلك.. فكل وزارة يجب أن تتكفل بموظفيها بشكل مباشر، وتعمل على تطوير أدائهم، وتحسين ظروفهم العملية والمعيشية، وتحرص على حماية حقوقهم، مع اختيار التوقيت الذي يناسبهم، ولا يعرقل أداءَهم في مقرات عملهم؛ هذا هو الإصلاح..
كل وزارة يجب أن تخلق مدارس خاصة بها لتكوين موظفيها مستقبلا، وهم الذين سيحلّون محل المتقاعدين، ويجب التحري في انتقاء الطلبة عبر امتحانات كتابية وشفوية، وحوارات شخصية مع المترشحين، مع فحص طبّي جسماني ونفساني دقيق، وأن يتم التعاقد مع المتقاعدين الأكفاء ليكونوا مكوّنين في هذه المدارس لتجربتهم، ومعرفتهم بخبايا العمل، وهذا من شأنه أن يحذف ظاهرة الموظّف [Passe - Partout] الذي به يتم إخفاء ضعف، وفشل موظفين أُنزِلوا بمظلات من فوق، لعلاقتهم بمن هم فوق، وهم الذين يوصون الرؤساء بهم خيرا دوما أبدا، وما أكثر هؤلاء في إداراتنا للأسف الشديد، يخرجون متى شاؤوا؛ ويدخلون متى شاؤوا؛ وإذا دخلوا، قضوا أوقاتهم مع [النت] أو مع الهواتف النقالة يُدَرْدِشون مع أشباههم الفاشلين والغشاشين في قطاعات أخرى، وهذا شاهدتُه عيْن اليقين في إدارات [بطنجة] حتى لا يقال إني أكتب رواية خيالية (حسْبي الله!].. فكم من موظف، وكم من موظفة يأكلان أموال الدولة سُحْتًا وباطلا، مثْلهم مثل البرلمانيين الانتهازيين، ولا يستطيع الرئيس البئيس أن يعاقبهم، خوفا من انتقام من أنزلهم بمظلته، ومتّعهم بالحصانة، لكنْ إذا رفع الرئيس بهم تقريرا للوزارة الوصية، أتاه الانتقال في الحال؛ لذا تراه يسكت عنهم خوفا منهم..
لكنْ من يقوم بالعمل، ويُحْكَم عليه بالأشغال الشاقة في الإدارة، ويُطبَّق عليه القانون، وتصْدر في حقه مذكّرات التهديد والوعيد بدعوى [إصلاح الإدارة]، ويوقِّع عند الدخول، والخروج؟ إنه ذاك الموظف العبد والغجري، ثم ويل له إن هو أومأ إلى الأسياد، أقرباء أو أصدقاء الأسياد الذين بعثوهم قائلين: [اِفْعَلوا ما شئتم، فقد غُفِر لكم].. فهذا له عمّ يحميه؛ وهذه لها خالة في الوزارة تحميها من سيف القانون، والرئيس المسكين يُظهِر فحولتَه وشخصيتَه و[وطنِيتَه] فقط على الخائفين مثله، من الموظفين المستضعفين، وبهم يملأ التقارير، ويقترح العقوبات لإخفاء ضعْفه، وإظهار شطارته، وصرامته، أي والله! تَعالَ معي إلى طنجة لترى المنكر يمشي على قدميْن، والرئيس عُنْوة يغمض العينين.. فالقطْع مع هذه الظاهرة التي غزت الإدارات يتطلب قطْعَ رؤوس حُماتِها في الوزارات الوصية؛ هناك أصل الداء، ومنْبع البلاء؛ وكفاكم كذبا وبهتانا على المغاربة في القنوات..
وقفتُ في الإدارة، وكانت كل موظفة متعجرفة تمارس هوايتَها؛ فلم أجدْ من أُحدّثُه؛ وكانت إحداهن تفكّ الكلمات المتقاطعة، فسألتْ زميلَها الذي كان يتصفّح بنهم مجلّة وكأنّه يبحث فيها عن لستُ أدري: ما اسم البرلمان الألماني؟ أجاب زميلُها: لا أعرف! فقلتُ بصوت خافت: [البوندشتاغ]؛ فقالت: [هي والله؛ صحيح!] ثم التفتتْ إليَّ وقالت: آشْحبّْ الخاطرْ آلسِّي البوندشتاغ؟ قلتُ: لقد أخطأتُ في المكتب: فمعذرة! فخرجتُ وعدتُ إلى بيتي متذرعا بالمثل القائل: [كم حاجة قضيناها بتركها]، وكنت أكلّم نفسي قائلا: [أين لكِ بالبرلمان الألماني؛ فهو أفضل من برلمانكم؛ والموظف الألماني أخلَصُ في عمله منكم؛ والوزير الجِرْماني أكفأ من وزيركم؛ بَخٍ منكم، ومن إدارتكم، فسحقا لكم معشر الغشّاشين، تأكلون أموال الأمّة سحتا، وتظنون أنكم تحسنون صنعا؛ فتبّا لكم، ولمن يحميكم في الرباط]..
فإذا كان هؤلاء الكذبة صادقين، فلماذا يتجاهلون هذه المظاهر العنصرية، و[الأبارتايد] في الإدارة الوطنية؟ كان عليهم إحصاءُ هذا الجراد المقيم المسلَّط من فوق على الإدارات، ويسألون الرؤساء عن كل موظف وموظفة، مع إعطاء أسماء مَن يحميهم في الرباط، حتى يتم فك الارتباط.. فكثيرا ما تجد موظفا مقموعا أمامه صفٌّ طويل من المواطنين، فيما آخرون طُلَقاء غائبون، أو في راحة في مكاتبهم، لا يسمعون فيها لَغْوا ولا تَاثيما، دانيةٌ عليهم قُطوفُها ودُلِّلَت تدْليلاً.. فأنا لا أجد الفَوْرية والجديةَ إلا في إدارات الأبناك فقط.. فلا تتحدّثوا عن الإصلاح، فنحن نجهل وسائله ومعناه.. لقد خبرناكم، وعرفناكم، وشهدنا عليكم، وإلى الله شكوناكم.. فماذا، وكيف، ومتى ستُصْلِحون، وقد اتّسع الرتْقُ على الراتق؛ بَخٍ منكم ومن سياستكم!