يتهافت المستثمرون الخليجيون منذ سنوات على اجتياح الأندية الأوروبية، فالعديد من الشيوخ ورجال الأعمال والمؤسسات الخليجية باتت تمتلك أندية أوروبية أو حصصا فيها خاصة في إنكلترا وإسبانيا وفرنسا.
وإمتد إستثمار الخليجيين أيضا الى رعاية قمصان الأندية الأوروبية العريقة، حيث إعتاد متابعو كرة القدم في السنوات الأخيرة على مشاهدة إعلانات لشركات خليجية على قمصان الأندية العالمية، مثل «طيران الإمارات» و»طيران الإتحاد».
قد تفاجأ وتصاب بالذهول عندما تعلم حجم الأموال الهائلة، التي تنفق على هذه الإستثمارات، وهنا نتحدث عن مئات ملايين الدولارات. فمثلا إشترى أحد شيوخ الإمارات نادي «مانشستر سيتي» الإنكليزي بصفقة تجاوزت 210 ملايين جنيه إسترليني، وتم ضخ حسب العديد من المصادر 500 مليون جنية إسترليني في ميزانية النادي دفعة واحدة. وأصبح التنافس على أشُدِه ليشمل مستثمرين سعوديين وعرباً.
إذن أموال النفط تغزو الأندية الأوروبية وتضح ملايين الدولارات موسميا لخزائنها، لكن السؤال المُلح لماذا هذا التنافس بين أثرياء الخليج ودوله على الإستثمار في الملاعب الأوروبية؟
واضح جدا أن التنافس الحاصل بين الدول الخليجية في الملاعب الأوروبية هو شكل آخر من أشكال إستنزاف الأموال الخليجية، فالحرب الناعمة التي تدور بين هذه الدول في الملاعب الأوروبية ما هي إلا نوع من «البرستيج» العربي والدولي التي تسعى هذه الدول لإيجاده في ظل غياب أية رؤية إستراتيجية لواقع هذه الملايين التي تنفق دون مردود مادي يرتقي لحجم المهدور.
كان في إمكاننا أن نثمن هذا النوع من الإستثمار لو إعتبرته الدول الخليجية قوة سياسية ناعمة تسير جنبا الى جنب مع حجم إستثمارتها الضخمة في أوروبا، والتي كان بالإمكان أن تشكل ورقة ضغط قوية بيدها.
الدول الخليجية تدرك أن حجم إستثماراتها الهائل في الدول الأوروبية يشكل قوة ضغط على حكومات هذه الدول ولكن المفاجأة غير المُفَاجِئة أن هذه الدول عندما قررت استخدام هذه الورقة وجهتها ضد بعضها البعض والأزمة الخليجية كانت مسرحا لهذه المهزلة.
خلال الفترة الماضية أطلقت إيران «العدو اللدود»، صاروخا باليستيا جديدا يمكن أن يحمل العديد من الرؤوس الحربية ويصل مداه الى ألفي كيلومتر، نتساءل هنا عن طبيعة المجالات التي تستثمر فيها إيران والمجالات التي تستثمر فيها الدول الخليجية.
بغض النظر عن نظام الحكم في إيران اتفقنا معه أم اختلفنا فإنه نجح بهندسة استراتيجية واضحة المعالم اعتمدت على الموارد الذاتية في بناء الدولة عسكريا ونوويا. بعد ذلك قفزت إيران الى المربع الثاني من استراتيجيتها مستغلة الفراغ الذي تركه العرب لتصبح قوة سياسية وعسكرية مهيمنة في المنطقة، وتتفوق في ترجمة استراتيجيتها بجعل العراق وسوريا واليمن أهم مناطق نفوذها وعمقها الإستراتيجي.
الدول الخليجية إختارت أن تلتزم بالخطوط الحمراء والإملاءت الأمريكية لها بعدم التفكير بإمتلاك أي مشروع نووي واقتنعت هذه الدول أن الشراكة الأمنية مع الولايات المتحدة رادع أكبر من أي مخزون نووي ففتحت أبوابها للقواعد العسكرية التي تشكل مصدر إستنزاف ووصاية عليها.
إذن إيران إختارت التمرد والإستقلال بقرارها العسكري والنووي وقررت أن تغزو النادي النووي الدولي والدول الخليجية إختارت أن تغزو الملاعب الأوروبية.
أمام هذا المشهد هل يحق لنا أن نتساءل لماذا تنجح إيران ويخسر العرب. يبدو واضحا أن الدول الخليجية لا تمتلك رؤية إستراتيجية بعيدة المدى على عكس إيران تماما، ولعل هذا ما يفسر التخبط الذي عاشته هذه الدول أثناء ثورات الربيع العربي وفشلها بتولي زمام الأمور الى أن أُخرجت من اللعبة بشكل كامل.
الإستثمارات الخليجية توجه في غير مكانها وزمانها، في وقت يَقتل فيه الجوع العراقي والسوري والليبي واليمني والصومالي والفقر يُذِل المصري والتهويد يحاصر الفلسطيني. كان بإمكان الدول الخليجية أن تستثمر في فقراء الشعوب العربية فتجعلها عمقا إستراتيجيا لها بدلا من أن تستثمر في حُكامها.
ليتهم يعلمون أن القصة لا تكمن بين «مانشتير ستي» و«باريس سان جرمان»، فالقصة أكبر من ضربة قدم، إيران تلعب في ديارهم وتسجل أهدافا إستراتيجية في مرماهم، وهم يلعبون هنالك بعيدا في الملاعب الأوروبية وفي النهاية تسجل إيران الهدف. خلاصة القول، هل يحق لنا بعد أن نتساءل لماذا يخسر العرب وتنتصر إيران؟!
سوسن أبو حمدة