للأسف الشديد انتظرنا كثيرا حتى يعلن جلالة الملك محمد السادس، في خطاب افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، حتى نعرف أن النموذج التنموي المغربي انتهت صلاحيته واستوفى شروط وجوده، ولم يعد قادرا على استيعاب التحولات، التي يعرفها المغرب على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، بينما استمرت الحكومة في التبشير بمنجزاتها الكبيرة خلال الفترة السابقة من عمرها، بينما كان عليها أن تصارح المغاربة بالوضع الذي نحن فيه الآن.
عندما نتحدث عن الحكومة فإننا نتحدث عن مكوناتها، التي من المفروض فيها، وهي ستة أحزاب، أن تكون متوفرة على دراسات ووثائق وأرقام تخولها معرفة دقيقة بالواقع، ومن خلالها تستطيع استشراف المستقبل، وبالتالي وضع المخطط التنموي البديل.
اليوم يتحدث كثيرون عما يجب فعله. وهذه مجازفة فكرية فقط لأن الذي لا يعرف واقعه لا يمكن له أن يعرف مستقبله. سوف يذهب إلى الأمام لكن نحو الطريق الخطإ والمليئة بالحفر. وينشر حزب موقفه ويقول هذا تصوري للتنمية. إلى متى الاستمرار في صناعة الكذب؟ كيف يكون للحزب تصور للتنمية في المستقبل وهو جاهل بما يجري بين رجليه اليوم؟ كيف تصنع مستقبلا إن كان الحاضر تعيشه كما يعيشه باقي الناس؟
الواقع أننا وصلنا اليوم إلى نتيجة مفادها أنه ليس لدينا نخبة ثقافية وفكرية وعلمية وسياسية قادرة على إنتاج التصورات ووضع الخطط، نخب تستنفد الجهد في استخراج معالم المشروع التنموي، القابل للتنفيذ لا صياغة برنامج إنشائي لا يفيد في شيء.
إذا كانت لدينا أنتلجنسيا بمعناها العام، فعليها وبدون استحياء أن تعلن للمغاربة علنا، أنها فشلت واضمحلت، ولم تعد قادرة على لعب أدوارها الطلائعية كما هو مفروض فيها، وكما هو الشأن بالنسبة لكافة بلدان العالم، حيث تعتبر النخب هي النموذج لباقي الشعب. فلا يعقل أن تكون لدينا مراكز للتفكير، تحصل على الدعم من مختلف الجهات، ولا تقوم بدورها، ولا تقوم بإصدار التقارير الدورية والسنوية، وتحولت هذه المراكز إلى عناوين يظهر من خلالها أصحابها في وسائل الإعلام.
الأحزاب السياسية خولها الدستور العديد من المهام، وتحصل على الدعم المالي من أجل إنجاز برامجها، وهي تفكر في كل شيء إلا التكوين وإعداد المدارس لتخريج النخب الحزبية القادرة على فهم الواقع. فتحولت من مشتل لترقي النخب ووصولها إلى مركز القرار، إلى مفرخ للنخب التي تسعى إلى المسؤولية ليس من باب التجربة العلمية والخبرة الميدانية ولكن من باب القرب من القيادة، فأعطتنا نخبا ليس لها من هم هو أن تكون في مراكز مهمة بتعويضات مريحة لكن لا يهم بعدها أن تكون في المستوى أم لا؟
أحزاب تضع مفهوم المشروع التنموي ضمن إنشاءاته القابلة للتصريف لدى العموم لكن غير القابلة للتنفيذ لما تصل إلى الحكومة، حيث لا تفكر الأحزاب في المفاهيم، ولا معنى المشروع التنموي بدليل ألا أحد منها توقع انسداد أفق المشروع الحالي.