منذ القدم، تداعت الى مسامعنا ونحن صغار عبارة تقول: جوّع كلبك يتبعك. وهي طريقة لترويض الكلب وإذلاله، لطاعة سيده، يستخدمها من لا يعرفون قيمة للحيوان، ولا يحملون في قلوبهم رأفة ولا رحمة، وقلوبهم أشد يبوسة من الصخر، وسياستهم هي البطش والطغيان والعنجهية. مع أن الكلب يشهد له الانسان بالوفاء.
التجارب تثبت كل يوم أن التجويع يٌستخدم لقهر الأعداء وليس لجلب الأحبة والأصدقاء. ولا خير فيمن يجوع شعبه.
اليوم اخترت على وزنها عبارة جوع شعبك ينتخبك! وأحاول اطلاقها على من يخيفون هذه الأيام الشعب الجزائري، من بعض تجار السياسة، بالأزمة الاقتصادية التي هم في الحقيقة مسببوها وصانعوها، طمعا في أن ينتخبهم الشعب ويمد سلطانهم وجبروتهم ويبقى هو يدفع الفاتورة حتى يتسمروا في تركيعه واذلاله، وتفويت فرص التعيير والنهضة عليه، ودون أن تأخذهم الرأفة بهذا الشعب الذي أنهكته المحن والمآسي، وجعلته يستغيث كل يوم ولا من مغيث.
عشية الانتخابات البلدية والولائية، هاهم من كانوا بالأمس القريب يهللون ويكبرون لفخامته وبرنامجه الذي قضى على الأزمة وحقق مالم يحققه من قبله، كما يقولون، يدقون الأجراس ويطلقون صفارات الانذار ويعلنون حالات الاستنفار، بعد أن كانوا الى وقت قريب يصفقون لتوزيع مليارات الدولارات يمينا وشمالا في المهرجانات المختلفة، ويتفاخرون بها أمام الدول بالصورة التي كانوا يسوقونها، وأنهم فعلوا وفعلوا، ووضعوا الأزمة وراء ظهورهم.
لقد عودونا كلما اقترب موعد الانتخابات باخراج ملفات تاريخية واقتصادية، وعمليات ارهابية هنا وهناك، ونهب هنا وهناك، وفرقعات اعلامية هنا وهناك.
يكفي فقط أن نذكر بما قالوه بالأمس القريب في الانتخابات الرئاسية والتشريعية، لما خرج الشعب للاحتجاج عن أوضاعه الاجتماعية، أخافوه بالحلف الأطلسي وقالوا له: اختر التصويت أو حضّر نفسك لحلف الناتو، وجهز نفسك كي تصبح لاجئا، كما هم الليبيون والسوريون.
إن الشعب الجزائري معروف عموما بخشونة رأسه كما قال هواري بومدين رحمه الله، ويعلم علم اليقين أن الأزمة في الجزائر ليست اقتصادية. وهاهي حالات الانسداد تلقي بضلالها، على كل الأصعدة.
والانتخابات مهما كانت نزاهتها، يستحيل أن تحل الأزمات التي تعيشها البلاد، والتي تتراكم وتتفاقم كل يوم من خلال تأجيل الحلول واستعمال سياسة الهروب الى الأمام. ومن المستحيلات أن يحل الأزمة اللصوص وقاطعوا الأرحام، الذين يعتبرون أن الشعب قاصر.
إن الشعب الجزائري في عمومه أعطى أروع الأمثلة في الصمود والتحدي وقدم دروسا في الايثار، ومستعد أن يعطي اليوم وغدا أعز ما يملك من أجل الجزائر، عندما يجد من يمثله بحق لطي الازمة من جذورها.
أما استدراج الشعب الى الانتخابات لإطالة عمر النظام والتحضير لتغيير الواجهة، فالشعب قال كلمته في عدة مناسبات، ولم يبق من يؤمن بمسرحيات النظام الا المتواطئون معه.
نورالدين خبابه