ان أسباب الثورة دائماً تكون مرتكزة فى رحم الفقراء والطبقة الكادحة المسماة اصطلاحاً بالبروليتاريا وقليل من الطبقة البرجوازية , ولكنها لا تولد وتنمو وتتضخم إلا بوقوع حدث مؤثر من أفراد الطبقة المؤطرة الكادحة .
والمتدبر فى شؤون الثورات العربية والعالمية يلحظ ذلك ,فنجد مثلا فى ثورة الياسمين التى اندلعتْ أحداثها في 17 ديسمبر 2010
تضامنًا مع الشاب محمد البوعزيزي الذي قام بإضرام النار في جسده في نفس اليوم تعبيرًا عن غضبه على بطالته ومصادرة العربة التي يبيع عليها من قبل الشرطية فادية حمدي .
وإذا عدنا الى الوراء حيث الثورة الفرنسية نجد أنّ اقتحام سجن الباستيل في الرابعة عشر من يوليو ,وقتل مامور السجن وتحرير السجناء كان يمثل نقطة إنطلاق قوية لإحداث تغيير راديكالى كامل والذى مر خلال المظاهرات بعد ذلك بمنعطفات كادت ان تعصف بها ألاَ هو تحويل الملكية إلى جمهورية وإنشاء دستور عادل للبلاد.
فى النموذج الإيرانى نجد أن انتهاج الدولة آنذاك لسياسة التأوْرُب المتوسع جثم على صدورالشعب مما أحدث صراخاً مفاده إندلاع الثورة الإيرانية سنة 1979 لتقويض نظام الشاه برمته.
إن الثوار لغتهم الصراخ والفوضوية ,هذا الصراخ المتولد من الضغط الفسيولوجى وإستبدادية حكامهم , فيدفعون ذالك بالصراخ, فتأتى مطالبهم عشوائية غير مدروسة وهذا طبيعى لأنها تأتى فجأه بينما يقف االنظام مشدوهاً ولا يجد إلا الأساليب القمعية لتكميم الصراخ او الحد من نبرته.
وللأسف فإن مثل هذه الهبّات الفجائية صيرورتها الفوضوية لأنها تنطلق من رحم مطالب طوباوية والتى يستحيل فيها النظام تلبية تلك المطالب,علاوة على مسارها الفاشل بسبب عدم وجود رؤوس لها .
وها ذا أقوال بعض المفكرين فى شأن الثورات.
نجد نيتشة:ظهر خلال فترة الثورة الفرنسية وما بعدها، ويري إن الثورة هي إنفجارات شبه بربرية خارجة عن السيطرة وإنفعالات جماهيرية مدمرة.
-نجد ايضا كل من برودون وكروبوتكين يتبنيا مذهب فوضوية الثورات.
وإنى أنصح الثوار بضبط النفس ,وتقديم بروتوكولٍ يُحدد فيه مطالبهم الإصلاحية من النظام نفسه لا من نظام آخر بواسطة رجال يثقون فى أمانتهم وقوتهم ,ولا بأس بالحركة السلمية,بدلاً من الثورة .
وأنصحهم كذلك ان لا تحدّق ابصارهم فى ثورات البلاد الأخرى فلكل بلد ظروفه , فقد تكون تلك الرياح الواردة من الخارج ريحًا سموماً على بلدهم.
عوامل الهدم والبناء فى الثورة :
أولاً :تأثير الجيش فى الحركات الثورية:-
تبدأ الثورة بالصراخ المصحوب بمشاعر الغضب والتشدق بمطالب طوباوية عريضة ,وهذه مرحلة فاسدة تقوم على مقاييس فاسدة ,ووجب على النظام حينها وأد تلك الثورة عن طريق الإعلام وبيان يصدر من الحاكم بإمكانية التغيير على مراحل وعليه أيضاً ان يبرهن على ذلك بإجراء أى تعديل دستورى,فمثلاً يزيد بعض الضرائب على الأغنياء ويخفّضها على الفقراء .
وغالباً تستمر الثورة تلك فى مطالبها سواء قوبلت بالوسائل السلمية او القمعية او ببعض الحلول الجذرية.
ومع استمرار الثورة نجد عوامل تؤثر عليها فمن جانب نجد الثورة يقف ضدها الجيش وعليه فيجب على الثورة الكفّ الكامل عن المسيرات الإحتجاجية السلمية ورفع مطالبهم عن طريق فئة منهم أو عن طريق إعلام معارض للنظام,تُرفع المذكرة إلى الجيش نفسه.
أمّا لو أقرالجيش الثورة فيجب على النظام نفسه تلبية جميع مطالب الثوار ولو كان مطلبهم رحيل النظام .
ولو وقف الجيش على الحياد فلا بأس من امتداد المد الثورى ,ويجب ان يستجيب النظام لمطالب الشعب ,وليس شرطاً تلبية مطلب الرحيل, لأن الرحيل هو ديكتاتورية ثورية .
وثورات العالم الأجنبي والعربي خير برهان على ذلك .
فلننظر مثلاً الى النموذج المصرى فهو نموذج مزدوج حيث وقف الجيش مع ثوار 25 يناير 2011 فنجحتْ الثورة,وعندما وقف ضد المسيرات الإحتجاجية والإعتصامات فى رابعة والنهضة سنة 2013-2014 باءتْ تلك بالفشل و نجم عنها آلاف الضحايا بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة,علاوة على سفك الدم بعد ذلك الناجم من المسيرات والإحتجاجات فى الشوارع.
وفى النموذج السورى : فى 25 أبريل 2011، إنضمَّ الجيش لقوات الامن للمرة الأولى مع حصار درعا، والمعضمية في ريف دمشق؛ألحقها في 3 مايو ببانياس.
كذلك وقف الجيش بجانب بشار الأسد فى 3 يونيو ثم حاصر وضرب الثوار فى إدلب وحاصر جسر الشغور وتمركز في سهل الغاب وجبل الزاوية ,وظل الجيش يساند النظام حتى أسرف النظام فى سفك الدماء بطريقة وحشية ومع تطور الأحداث إنشقَ الجيش فزادتْ الثورة دموية واشتعل الصراع أكثر واكثرولاسيما بعد تدخل القوى العربية والأجنبية بين مؤيد ومعارض مما زاد من عالميتها وكأننا فى حرب عالمية ثالثة على بقعة سوريا الشقيق.
تلك الثورة التى خلّفتْ خلال النزاع في سوريا قتلى تجاوزحتى الأن نصف مليون قتيل ومليونى جريح بالإضافة إلى أكثر من 5 مليون لاجىْ وأكثر من 6مليون نازح في الداخل.
أمّا النموذج التونسي 17 ديسمبر2010 فقد وقف الجيش موقف المتفرج المترقب حتى شاهد بنفسه انتصار الثوار التى لم يفلح الرئيس بن على فى وأدها,فقد كان موقف الجيش مائعاَ الى حدٍ كبير,رغم رفضه لأوامر الرئيس بن علي القاضية بمشاركة الجيش في مواجهة الإحتجاجات إلى جانب قوات الأمن، وكان رفض قائد جيش البر رشيد عمار لأوامر بن علي بمثابة نهاية لحكم الأخير للبلاد.
ومن الثورة الروسية 1917 :نجد أيضا وقوف الجيش بجانب الثورة البلشفية ,إنضمتْ القوات المسلحة للعمال، الجنود الذين تم إرسالهم من قبل الحكومة لقمع أعمال الشغب كثير منهم إنضموا إلى المتظاهرين وأطلقوا النار على الشرطة، ، مع هذا التفكك انهارتْ فاعلية السلطة المدنية.
قدمتْ الحكومة إستقالتها إلى القيصر الذي اقترح دكتاتورية عسكرية مؤقتة، ولكن قادة المؤسسة العسكرية الروسية رفضوا هذه الدور.
وعندما وصل القيصر إلى العاصمة، اقترح قادة الجيش ووزرائه المتبقين تنازل القيصر عن سلطاته وعرشه,
وفي اليوم التالي ألقي القبض على القيصر.
ومن الثورة الفرنسية (1799-1789):كان أكثرالجنود من الطبقة البرجوازية والفقراء وكان معظم قادتهم من طبقة النبلاء مما صعّبَ عليهم السيطرة على الجيش , ولم يكن للجيش دور فاعل فى الثورة إذْ أنّ الثورة قامتْ بدونهم ولم يجد الملك أى سبيل فى استخدام الجيش لمنع سقوط الملكية وقمع الثوار , بل ان الجنود كانوا يتمردون على قادتهم بل هاجموهم, مما تسبب فى رحيل أكثر الضباط وترك البلاد , ويتبين من ذلك أن الجيش كان جزءاً من الثورة بحكم غالبية طبقتى البروليتاريا والبرجوازية فيه.
ثانياً:تاثير إنقسامات الفئات الثورية والثورات المضادة :-
أنظر إلى النموذج الفرنسي: