نظم مركز الدراسات والأبحاث ، قراءة في كتاب السنة والإصلاح للمفكر العروي، وذلك يوم السبت 30 شتنبر بمقر المركز بالدار البيضاء، ولقد حضر إلى هذا اللقاء الثقافي طلبة وأساتذة وفاعلون جمعويون وسياسيون .
لقد ركز حسن الإدريسي طالب باحث في الفلسفة على مفهوم الوحي عند العروي، معتمدا على شهادة قدمها محمد المصباحي في حق كتاب السنة والإصلاح حيث يقول: يجمع الذين قرءوا كتاب السنة والإصلاح على انه كتاب مدهش، ولعل ذلك انه يجمع بين المتناقضات ومبتعدا على الكتابات الاستدلالية التحليلية، فهي كتابة كثيفة وواعية ومتأملة وغنية بدلالاتها، وهذا ما يجعلها شبيهة بلغة الوحي.
لقد صدر كتاب السنة والإصلاح سنة 2008 عن دار النشر إفريقيا الشرق، وهو في الحقيقة عبارة عن مراسلة وعن تساؤلات سيدة أجنبية سئلت العروي عن منظوره للإسلام، وفي جوابه للسيدة يقدم العروي منظوره الشخصي للإسلام فاتحا الأبواب لحرية التفكير معتمدا على منهجه التاريخاني، لكن نتساءل ما الذي جعل العروي يعود إلى التاريخ علما انه دعا إلى القطع مع التراث ؟
لقد تحدث المفكرعن السنة كتجربة تاريخية لا كتجربة مقدسة متعالية عن الواقع، لهذا يمكن القول انه يتحدث عن السنة والإصلاح كتجربة تاريخية وليست مقدسة من هنا نتساءل كيف تناول العروي طاهرة الوحي في الإسلام ؟ وكيف عالج التجربة الابراهمية ؟ وكيف تناول التجربة المحمدية ؟ تم ما الجدوى؟ هل إحياءها ام نزع طابع القدسية عنها ؟
لقد عالج العروي إشكالية الوحي انطلاقا من نظرتين الأولى ترى أن الوحي ظاهرة تاريخية مشروطة بعوامل اقتصادية وتاريخية، والنظرة الثانية تفسر الوحي من خلال العلاقة بين الإله والنبي، أي بوصفها رسالة سماوية جاء بها جبريل إلى النبي، فالعروي لا يتبنى هذين الموقفين حيث يعتبر النظرة الأولى التي تبناها حسين مروة والطيب التزيني وغيرهم، أنها موغلة في الراديكالية، ويعتبر النظرة الثانية موغلة في الميتافيزيقا، فكلاهما لا يمسكان بجوهر الوحي، ولا يهتمان بالجانب النفسي والثقافي للنبي ،وعلى هذا الأساس يتساءل عن الوضعية ا لنفسية والثقافية والاجتماعية وهو يتلقى الوحي؟ يتوجه العروي إلى المؤرخ النقدي سائلا إياه قائلا هذا الإنسان الموجود في المكان كذا والموروث كذا الثاقب الذهن الواسع الخيال البليغ اللسان الراشد قبل السن ما مبادئه وعقائده..
تلك الأفكار التي تجري مجرى الدم في عرقه، إذا استطاع المؤرخ أن يجيب عن هذه الأسئلة استطعنا أن نفهم الوحي فالشروط الاقتصادية عاشها الكل، وفي النظرة الثانية يتسائل العروي لماذا اختار الله محمد ولم يختار غيره ؟ إذا كان النبي قد سمع ما سمع وترجم ذلك إلى لغة مفهومة، فكيف نتأكد نحن من ذلك؟ وأردف قائلا هذا النبي أحق بنفسه في الإبداع والحق ولكي يتسنى له ذلك عاد إلى التجربة الابراهيمية، باعتبارها هي الدعامة والأصل والاستقرار، وتجربة محمد صارمة مادامت تجديدا وتصديقا .
ولقد لعب ابراهيم دور المبدأ والجوهر، كما احدث قطيعة مع الكون والأسرة والجماعة وعبادة الأصنام، وهذا ما جعل العروي يوازي بين الحضارة والذاكرة والماضي.
إن القطيعة التي أحدثها ابراهيم، خولت له أن يهدم ويبني من جديد والملاحظ ان العروي لا يتحدث عن ابراهيم التاريخي، وإنما عن ابراهيم الرمز لأنه فضل الترحال عن قومه لما فشل في الحوار مع قومه وهنا يعتبر ابراهيم ابن الحضارة العاق، ويتساءل العروي ما سبب هذا الموقف المتكبر المتعالي؟
لقد مارس عبدالله العروي تقنية الحفر في الحضارة الابراهمية مؤكدا أن التجربة المحمدية هي صدى أصيل للتجربة الابراهيمية، فكيف كان يتعامل النبي محمد مع تجربة ابراهيم ؟ ويقف العروي عند مجموعة من القواسم بين التجربتين، فمحمد لم يكن يعبد الأصنام ولم يؤمن بتعدد الآلة وتقديس البيت الحرام والتبرك بماء البئر … وهذا ما دعا إليه ابراهيم جدده النبي محمد بلسان عربي مبين .
في حين أكد عبدالاله الكلخة أستاذ جامعي، أن العقيدة في مشروع العروي، هي مشروع تكوين وليس مشروع استنساخ، إن النبي الذي نفهمه نحن المسلمون اقرب إلينا من حبل الوريد، يقول العروي في حق محمد ، إنه أمي يعترف انه لا يعلم متى الساعة، وانه ليس بمسيطر، لم يجنح إلى تأسيس امة خاصة، بعد أن اضطره قومه وتأمروا عليه، لما أجهز عليه الحدث التاريخي، وأحاط به من كل جانب عندئد انهار الحدث، مؤكدا انه مؤثر ومعيد للحدث الابراهيمي، وهذه الدعوة من أهم آلياتها أنها منعزلة، لكون ابراهيم وقع له اغتراب، ونفي من قبل قومه، وتعرض إلى كل ما يثبت انه نبي، إذن هذه المعطيات تبين أن صاحب السنة والإصلاح يسترجع الحدث الديني ليس في علاقته بالتاريخ، وإنما في علاقته بالوجدان.
هذه الطريقة في الكتابة هي الطريقة التي نهجها بعض كبار المفكرين مثال جون جاك روسو في اعترافات.. بهذا المعنى نفهم كتابه الذي ظهر على شكل اعترافات وقراءته للفكر الديني والسياسي في الواقع العربي .
يقول السارد وانأ ابحث عن طريقة سهلة، واضحة وسلسة ارتب بها أفكاري اجعل ذلك لاعترافاتي للعقيدة أم للحوار أرى اليوم محاسن هذا السلوك أو ذلك، وفي اليوم الموالي يتضح لي نواقصه، لهذا اختار المفكر شكل الرسالة والترسل، وهو أدب ضارب في عمق الثقافة العربية كابن المقفع وبعده الجاحظ، ففي الترسل يظهر اعتراف السارد بطبيعة عقيدته، يحاورها يضعها في السياق الحضاري، كيف تتطور العقيدة في ظل الصراعات المذهبية والسياسية اليوم ؟
لقد حدد السارد طبيعة المخاطب، فيقول انك امرأة والدتك سيدة أجنبية متخصصة في البيولوجية البحرية مطلقة من زوج شرقي تجدين في وسط جد مختلط تحبينه كثيرا وتخافين على مستقبلك .
في هذا السياق يضع الدين في نفس الاتجاه ،ما معنى أن تكون مؤمنا ألان ؟ ويركز على الثنائية مسيحي/ مسلم، ملحد/ لا ديني ، ماذا تعني هذه الديانات ؟ يعني أن اليهودية تحمل في طياتها النصرانية، كما أن النصرانية القائمة تحمل في طياتها اليهودية الم تدعي الكنيسة أن إسرائيل جامدة، كما إن التاريخ عرف يهودية صورية .
السنة في نظر العروي تعني التقليد والإتباع دون سند فكري وثقافي، وباختصار شديد هذا ما جعل ابن رشد يكتب كتابه الكشف عن مناهج الأدلة، هذا الاعتراف هو ما أشار إليه اغسطين في اعترافاته، وباسكال في خاطراته، وروسو في مراجعاته، وابن طفيل في قصته، وابن رشد في فصله ومحمد بن عبدو في توحيده .إنه الشكل الجديد الذي يجمع بين الذات والوجدان وأسئلة العصر التي يتشبث بها المسلم.
فاتح الحسناوي .