حين يولد الانسان يكون مكسوا من الرأس بفروة الشعر، مما يميز رأسه من باقي أطراف جسمه، ينبض من وسط الرأس دماغه، كما ينبض من صدره القلب، والدماغ من الرأس مرادف النبض للقلب من الصدر، بل انه بالمرادف يعرف من اسم القلب الابيض من الجسم. وهو مستنبت من عضم الرأس، يتحكم في الشعيرات الدموية والهوائية من المادة المخية للهيكل العظمي من علاقته باللحمة الجسمية التي تنبض بالقلب .
وهذا يعني أن الدماغ يتحكم في الجهاز العصبي الذي يتحكم في الجسم لحما وعضما، وفي الادراك الباطني ومن المحيط الخارجي للجسم .
ومن المسام الجلدية والشعيرات الهوائية يجد الجسم المتنفس من الافرازات الباطنية نحو المحيط الخارجي للجسم من أعلى الرأس إلى القدمين .
ومن هنا كان لوظائف الجسم الخارجية علاقة بوظائفه الداخلية، والنظافة الخارجية للجسم تنعكس على باطنه من الافرازات الوظيفية، يحتمي بها من ذاته، وتقويه أمام الطبيعة .
ومن تم كان شعر الرأس أول فروة وقائية للجسم الخارجي من عوامل الطبيعة، بل إنه أول ما شغل الانسان من ذاته، ودفعه للاهتمام به، من تنظيف وتصفيف، ينعكس على الذات البشرية بالخفة وحيوية الجسم، وراحة البال من إزالة الشوائب والعلائق المزعجة .
الانسان وتهذيب الشعر :
حين خرج الانسان من طور الصراع من حياة الغابة، إلى حياة العمل والحضارة، طور فكره من حيوان ناطق، إلى كائن حي ناطق باللغة من الكتابة، والرقم العددي من الاعداد الحسابية، كلما استدرك من الفكر الشيء ضرب بسلاميات أصابعه رأسه، وان أتى صائب الرأي افرز فروة الشعر بالإعجاب، ومن ذلك يدرك أنه يكون في وضع مريح، من حضور البال وانفتاح الفكر وخفة الرأس كلما أزال عن الشعر ما يشوبه ويعكر صفوه، إذ هو عنوان الشخصية من عصور الحضارة، من عهد التصفيف والحلاقة .
تصفيف الشعر :
شعر الرأس مادة وقائية تكسو جلدة الرأس وتحميه من العوامل الطبيعية التي تسبب الامراض النفسية والجسمية من جلدة الرأس إلى باطن الجسم، وهو ما يدفع الانسان من عوامل نفسية إلى الاهتمام بالشعر وتنقيته من الاوساخ، وتنظيفه من الافرازات الجسمية، وتطييب رائحته بالعطريات، وحماية جلدته من القشريات والفطريات .
ومن تم كان تصفيف الشعر من مظاهر الجسم وأولويات العناية بالذات البشرية، بل هو أول من الحياة، والحلاقة من محل ثان .
كان الرجل والمرأة صنوان و شريكان من تصفيف فروة شعر الرأس لا يختلفان من التصويب، بل المرأة هي من كانت تهتم بذلك من ملازمتها البيت، اذ حين يأتي الرجل من العمل خارج البيت، أول ما تقدم عليه المرأة وتهتم به من حياة الزوج بالبيت، تسريح الشعر وتنقيته من علائق الخدمة وتصفيفه، ثم تهيئ الماء لغسل القدمين، كي يزول الثعب عن الجسم من الرأس إلى القدمين .
وعهد الديانات السماوية والحضارات القديمة، كان عظماء البشرية من حكمائها ورجال الفكر عندها، يظهرون بالشعر من الرأس مسدولا أو مضفورا .
وتبرز الصور المنحوتة أو الورقية المرسومة لشخصيات من الحضارة اليونانية والرومانية، ظهور انسان ذلك العصر بفروة الشعر تغطي الرأس، كما تكسو اللحى الوجه عند قدماء اليونان، وذلك خلاف الرومان الذين تظهر الرسومات الصورية شخصياتهم بالضفائر من الرأس المصفوف الشعر .
وذلك يعني أنهم كانوا يستعملون لنظافة شعر الرأس الاعشاب العطرية المستوردة من الهند بالقارة الاسيوية، كالقرنفل المصحوب بأعشاب عطرية أخرى، مع تصفيفة لا تتعدى حلمة الأذنين .
وعهد دخول المواد الحديدية الحادة في المبادلات التجارية بين قارتي آسيا وأوروبا، ظهرت السيوف المهندة، وأدوات الموس المضرب الخاص بالحلاقة .
عندها انفصل شخص الرجل بالحلاقة، عن شخص المرأة التي حافظت على الضفائر من فروة شعر الرأس .
غير أن الفروة الطبيعية من شعر الرأس عند الانسان الاوروبي، انتقلت من انتشار الحلاقة، الى شكل تذكاري ورمزية سائدة عند علية رجال الفكر والحضارة من الطبيعية إلى المصنعة من التركيبة على الرأس، كمظهر من الزينة التي تعود بالنظرة والفكر إلى الحياة الطبيعية الأولية .
وتجسد القبعة الفروية من القرن العشرين عند البلاشفة، رمزية التحرر وحصافة الرأي من الحياة المعاصرة .
ومن رمزية الحلاقة عند أهل الشأن بالمغرب، راحت عصابة الرأس مع عصبة الأمم .
الحلاقة العربية :
انتشرت الحلاقة عند العرب وتعممت من عهد العرب الكنعانيين عهد الاسكندر ذو القرنين الذي تنسب إليه الحلاقة العربية
وهي الحلاقة التي أخذ بها اهل المغرب عهد الدولة الادريسية، كما نقلوها معهم إلى البلاد الايبيرية، التي كانت تتميز بالحلاقة القوطية .
وارتبط عهد انتشار الحلاقة بتعويض فروة الشعر، بإيجاد غطاء للرأس لحمايته من اعراض الطبيعة، كالرياح والحرارة والامطار، فضلا عن اتخاذ الغطاء، لاستعادة الطاقة للرأس من الحلاقة، ولاعتبارات تعبيرية عن الهوية الشخصية والمكانة الاجتماعية .
الحلاقة المغربية :
عرف أهل المغرب عهد الحضارة العربية الاسلامية، نوعين من الحلاقة عربية وتسمى الحلاقة العرفية، وقوطية وتسمى الحلاقة القوطية، تخص الرجال دون النساء، واستمر العمل بهما من حياة الساكنة من عهد الادارسة، إلى عهد الحياة المعاصرة من المجتمع الصناعي .
ويعود أخذ المغاربة بالحلاقة من النوعين الى تمازج بشري بين الحضارة العربية والايبيرية من عهد الدولة الادريسية، وإلى نظام التعدد الذي ساد من وقتها بالدولة القارية .
الحلاقة العرفية وأدواتها :
تعتمد الحلاقة العرفية على أدوات مهنية حادة مصنوعة من مادة الحديد الصلب المهند لمقاومة الصدأ، وتشمل آلة الموس الأملس المضرب وهو آلة شفط سميكة لفصل شعر الرأس من جلدته، وكذلك على آلة المقص المهند من حجم الموس لتشذيب شعر اللحى أو تشبيبه أو شفطه من الوجه، وكذا تنقية الشعيرات من الأنف، والاذنين .
وتتم الحلاقة العرفية بتبليل شعر الرأس وتطهيره من الاوساخ بالرغويات المرطبة للشعر، ثم بداية الحلق بالموس سيرا من سقف الرأس على مسار منبت الشعر من أطراف الرأس، كما يجري عليه الحال من الحلاقة عند الكبار .
الحلاقة عند الصغار :
تجري من بدايتها علي شكل حلاقة شرفية تستمد معالمها من العرف الجماعي على يد رجل التصوف من زاوية النسك، أو الحصول على موافقته بإجراءاتها من وسط بيت الاسرة .
وتجري الحلاقة الأولية على الصغار ذكورا وإناثا، من سن الرضاعة خلال الفصل الأول من عامهم الأول، في إطار من الرمزية تجتمع حول حفل أسري صغير، يعكس فرحة الأسرة بالصغير المحلق .
ويغلب على الحلاقة الأولية للناشئة، طابع الألفة والمرح والحلاقة المهذبة، من شكليات تجمع بين زينة معالم الرأس من الحلاقة وفروة الشعر النظرة .
وهكذا يتم الحلق، بترك فروة الشعر من وسط الرأس في شكل مسطر، يصطلح عليه عرفا من اسم العرف، يمتد من مقدمة الرأس إلى قفاه، ثم ترك فروة القرنين من زاويتي الرأس الجانبيتين .
وعند الطفلة الصغيرة، يكون الحلق مشوارا لوفرة شعرها، بترك فروة القصة من الشعر على مقدمة الرأس، وشفط الشعر من حزام عرضي من وسط الرأس مع ترك الفروة من القرنين، ثم شفط الشعر من قفا الرأس والحافة الجانبية فوق الاذنين .
أما عند شقيقها الطفل فيبقى العمل جاريا بالحلق، إلى أن يلحق به شقيق أو شقيقة، حيث يحلق له، ويتم ازالة العرف من رأسه، وهو ما يميز حلاقته التي تنتقل بالعرف إلى الاصغر منه، ومن حلاقة بعد ولادة أخرى، تزيل له الاسرة فروة القطب الايسر، وتنقل شكلية حلاقته الى اللاحق به من الاخوة .
أما فروة القطب الايمن فتبقى سارية من حلاقة الرأس، تحظى بالضفائر العطرية، إلى ليلة الحفل من الدخول إلى الحياة الزوجية، حيث تجري الحلاقة على كل معالم الرأس .
وهكذا تبتدئ الحلاقة العرفية من سن الرضاع، وتنتهي من ليلة الزفاف .
الحلاقة القوطية :
هي حلاقة تجمع بين فروة الشعر من الرأس، والحلاقة الجانبية بالموس من حاشية الرأس، حيث تبقى الوفرة تعلو من وسط الرأس قابلة للتصفيف والتشذيب من شاكلة التصفيفات التي يتزين بها كبار الشخصيات من الحضارة الرومانية .
اخذ بها جانب من أهل المغرب وكيفوها مع الطابع المحلي، كما أخذ بتلك الحلاقة من فروة الشعر بعض الخاصة من المتصوفة .
وهي محل اتباع ووقار من الساكنة .
الحلاقة العصرية :
هي حلاقة دولية عرفها اهل المغرب من جانب الانفتاح الاجتماعي والتعايش مع الانسان الاوروبي من وجهة الحياة الدولية
وهي حلاقة من محلات مهنية خاصة ومجهزة، تحتوي على مقاعد مريحة ومرايا حائطية متعددة عاكسة للصورة الشخصية، من الوجهتين الامامية والخلفية، وأدوات حديثة ومتطورة للشفط والمشط والتنظيف والتجفيف، واستعمالات الشفرة العصرية للحلاقة ومكننة آلية للحلق تشتغل بالكهربة وأنواع من سوائل تعقيم أدوات الحلاقة، وتضميد الجروح، إلى جانب العطور والتشبيب، فضلا عن طرح مجلات خاصة بشكليات الأنواع من الحلاقة التي يقع عليها خيار الفرد من قائمة قاعة الحلاقة .
وقد ظهرت هذه الحلاقة وأخذت مكانها من محل الحلاقة العرفية عند الناشئة من وقت تعميم التمدرس، وتميزت من اسم الفريز(ي) .
الحلاقة الإفرازية :
هي حلاقة وإفريز من الشعر، من شاكلتين منها ما يجري بالمشط والمكننة والموس، ومنها ما يتم بالمكننة والمقص والمشط .
وهكذا يتم التعامل مع فروة الشعر بمقاييس عددية من معايير المكننة الآلية للحلق على المشط ، او بالمقص من سقف الرأس، بينما يتم التعامل مع الحاشية من الجوانب السفلية للرأس، بالشفرة ذات الحدين المركبة على الموس الخاص بالشفط التقليدي المحسن للفروة والمزيل للشعر من جلدة الرأس .
وحلاقة افريز الشعر العصرية والشفط التقليدي بالموس لحاشية الرأس الجانبية لا تعدو أن تكون من شاكلة الحلاقة القوطية، من الوجهة المعاصرة . .
أما الحلاقة التي لا تحتاج إلى بلل من الرأس، فتتم بالمكننة في حدود رقمية من أسفل الرأس، بينما تتم متابعة الحلق من سقف الرأس بالمشط والمقص، تنتهي بتسوية نهائية متكاملة التحليق والمشط .
الحلاقة النسوية :
أخذ المغاربة الحلاقة النسوية من يد الأوربيين – فرنسيين، واسبان -، الذين أنشأوا معاهد خاصة للأناقة والتجميل، أقبل عليها الفتيان أولا، ثم دخلت الفتيات المتمدرسات المجال .
وكانت الحلاقة النسوية في البداية عند الأسر المغربية، تقتصر على تسريحة الشعر في المناسبات العامة من الأفراح والسفريات والزيارات العائلية، كما بدأت الحلاقة والتجميل تنتشر عند الفتيات، والمستخدمات بالقطاعين العام والخاص .
وهكذا حققت حلاقة الشعر النسوية، تطورا أكثر مما عليه عند الرجال، لخصائص ذاتية من الحلاقة تتماشى والمواصفات الانثوية من مظاهر التزين والتجميل، التي تنصب على تصفيفات الشعر وتوضيب الوجه، وإضفاء اللونية والبريق على الملامح الشخصية .
ومن جهة، فالحلاقة عند المرأة ذات وجهين، منها ما يخص وظيفة العمل خارج البيت وهي حلاقة عامة، ومنها الحلاقة التجميلية الخاصة بالمحافل العامة من أفراح ومناسبات كبرى .
ومن الوجهة الاجتماعية، فإن الحلاقة النسوية بالمغرب، تحافظ للمرأة على فروة شعرها من الرأس، في أشكال وتصفيفات ملائمة لشخصيتها من عامل السن، والحالة العائلية، وكذا المظهر العام من العمل، أو حين الحضور الاحتفالي .