استفحلت ظاهرة تناسل الجمعيات بالمغرب، واختلفت وتنوعت مكاتبها المسيرة بين الصالح والطالح.. وأصبحت صفة (فاعل جمعوي)، لدى البعض مهنة من لا عمل له.. وإذا كانت هناك مكاتب جمعيات جادة، تتوفر على الموارد البشرية اللازمة لتطبيق برامجها، وتحمل مشاريع قابلة للتنفيذ الأحادي أو بشراكة مع جهات معنية عمومية أو خاصة.. فإن باقي الجمعيات لا تتوفر على الموارد البشرية المؤهلة، وليس لمكاتبها المسيرة نية العمل في إطار المصلحة العامة.. بل إنها لا برامج لها ولا مخططات، تلهت فقط وراء المال العام وأموال الخواص، باعتماد أساليب النصب والاحتيال والابتزاز والارتشاء و..فقد بات بعض منتحلي صفة ( فاعل جمعوي)، يقضون معظم أوقاتهم في طرق أبواب مسؤولي المرافق العمومية والخاصة، من أجل طلب الدعم المالي والمعنوي، لدعم إنجاز أنشطة وهمية .. بل إنهم يحشرون أنوفهم في كل صغيرة وكبيرة تخص تدبير الشأن المحلي و السياسي والتعليمي والصحي .. يدعون معرفة كل القوانين والقدرة على المشاركة والاقتراح والإبداع.. كل هذا بغية الحصول على المال والتموقع داخل دائرة النافذين والموالين لهم..
يجتهدون من أجل لفت الانتباه إليهم، ومن أجل استعراض عضلاتهم الجمعوية أمام ممثلي السلطات والمنتخبين والأجهزة الأمنية والقضائية.. وفرض الامتثال لرغباتهم ونزواتهم، التي لا علاقة لها بأهداف تلك الجمعيات التي يمثلونها.. هؤلاء الذين لا شغل لهم، سوى تمثيل تلك الجمعيات في كل المناسبات الرسمية وغير الرسمية.. وعرض خدماتهم على الراغبين في تلميع صورهم.. وابتزاز كل من أغلق بابه في وجوههم.. بعضهم بمستويات ثقافية محدودة، والبعض الآخر بدون أدنى مستوى تعليمي أو ثقافي. بل إن هناك آخرون لا يترددون في لعب أدوار ممثلي النقابات والأحزاب السياسية..احترفوا إصدار البيانات والدعوة إلى الوقفات والمسيرات والاعتصامات الاحتجاجية..
جمعيات بيئية تديرها مكاتب مسيرة متعفنة العقل والروح، وجمعيات ثقافية بمسيرين أميين ومنحرفين ولصوص، وجمعيات رياضية بأعضاء سماسرة ومحترفي النصب والاحتيال، .. وآلاف الجمعيات أحدثت كأذرع لدعم أحزاب ونقابات. أعضاءها يدسون رؤوسهم في الرمال والوحل كلما تعلق الأمر بالمواجهة السياسية والنقابية، ويعتلون المنصات وخشبات المسرح، كلما حضروا أنشطة جمعوية، حيث الفرص السانحة لكسب ود المواطنين.
جرت العادة أن يكون موسم توالد الجمعيات، خلال الأشهر الأولى من كل ولاية انتخابية على مستوى الجماعات المحلية ومجالس العمالات والجهات. حيث يتم إحداث مئات الجمعيات، من وراءها رؤساء مجالس منتخبة، ومستشارين جماعيين و برلمانيين بالغرفتين، يسعون من وراء إحداث تلك الجمعيات، إلى رد الجميل لفئة الناخبين الذين صوتوا لفائدتهم، ومنحوهم صفة منتخبين، أو من أجل الحصول بطرق غير مشروعة على أموال عمومية، وذلك بفرض التوقيع على اتفاقيات وشراكات وصرف منح مالية لمكاتب تلك الجمعيات.
لقد بات من الواجب إعادة النظر في القوانين المنظمة لإحداث الجمعيات، لكي لا يبادر من هب ودب إلى تأسيس جمعية ذات أهداف لا يفقهها، وبات من الواجب فرض شروط الكفاءة والقدرة والمستويات العلمية و التقنية و الثقافية اللازمة لتسيير تلك الجمعيات، وتطبيق برامجها.. كما بات من الواجب تكثيف التدقيق في حسابات كل الجمعيات سنويا من طرف المجالس الجهوية للحسابات، وكذا من طرف الجهات الداعمة لها.. وحصر مهام مكاتب الجمعيات في الأهداف والمرامي المسطرة في قوانينها الأساسية وأنظمتها الداخلية. ومنعها من التطاول على مهام أخرى..
لقد أصبح للسلطة الخامسة، دور كبير في رسم الملامح المستقبلية للمغرب، وأصبحت لديها آليات التواصل والمطالبة حتى بفرض تغيير قوانين وإلغاء مساطر.. وعليها أن تطهر داخلها من الدواخل والمندسين، الذين وجدوا في الانضمام إليها ملاذا آمنا، بعد أن لوثوا باقي السلط التنفيذية والتشريعية والقضائي والإعلامية..
بوشعيب حمراوي