يُعرفُ السياسيون الانتهازيون المنافقون الذين تجود بهم الأوكار الحزبية ببلادنا، يُعرفون بميزة لصيقة بهم، وهي سمة الضعف؛ فهم ضعاف العقول، وضعاف الأنفس، وضعاف الإرادة، وضعاف في مجال الوطنية.. والضعف مرفوض في المجال السياسي، وقد يؤدي إلى المحاكمة، والعزل من المنصب؛ وقد يؤدي إلى الإعدام الميداني في المجال العسكري، وقد يؤدي إلى العقاب الإلاهي في الميدان الديني؛ فيما يُغْتَفر الخطأ، وقد يُصفَح عنه.. فالله سبحانه وتعالى، لا يحاسِب على الضعف الطبيعي الوجودي المرتبط ببنية الإنسان الجسدية التي يجري عليها بُعدُ الزمن، فيؤدّي إلى مرض، أو عجز، أو شيخوخة؛ فهذه أمور طبيعية؛ لكنّ الله عز وجل يحاسِب على ضعف الإرادة أمام ذنب، أو زلّة، أو فاحشة، أو منكر، يأتيه الإنسانُ لأنه حرّ في الاختيار في أن يفعل أو لا يفعل؛ فالأمر موكول إليه وحده..
والضعف في ميدان السياسة مرفوض، ما دام القبول بالمنصب فيه اختيار مسْبق؛ وإذا كان السياسي ضعيفا، وينال راتبا ضخما كل شهر، بالإضافة إلى امتيازات عديدة، فتلكم خيانة كبرى، لأنه لا أحد يجبره على تقاضي مال مقابل ضُعفه في المنصب، أو مركز المسؤولية.. والسياسيون عندنا ضعاف، ويجنون بضعفهم أموالا طائلة من الأمّة، وذلك مردُّه إلى غياب المساءلة والحساب، يتلوهما عقاب شديد، ما دام الأمر يتعلق بسفينة الأمّة، وما يعترض مسارها من أمواج، وأعاصير، ورياح هوجاء، كل ذلك يحتّم تواجُد ربابنة أكفاء، لا متطفّلين جبناء، كما هو شأن سفينة أمتنا اليوم، التي يقودها انتهازيون ضعفاء، هيهات أن يبحروا بها إلى شاطئ الخلاص، ومع ذلك يتقاضون الملايين شهريا مقابل ضعفم وخسّتهم..
هذا يجرنا للحديث عن رئيسَي حكومة كانا بمثابة أسوإ خلَف لأسوإ سلف؛ وأعني بذلك [بنكيران] و[العثماني]، وهما رئيسان ضعيفان، بشهادة كل منهما؛ [بنكيران] اعترف بضعفه صراحة أمام من أسماهم [التماسيح والعفاريت] فلو كان قويا، لبحث عنهم، وشجّ رؤوسَهم، بدل تبرير الضعف بمقولة: [عفا الله عما سلف]؛ وهل يعفو الله عزّ وجلّ عمّن سرق أمّةً، وأتلف مواردَها، وبذّر أموالَها؟ لكنّ [بنكيران]، ولإخفاء ضعفه، نسف حقوقَ المواطنين البؤساء، لأنهم الحلقة الضعيفة، وتلك شجاعة الجبناء؛ كما أكثر من [صراخ الباعة في الأسواق] على حدّ تعبير [عباس العقاد]؛ ثم صار يبرر ضعفَه بأساطير التحكّم وغيرها من تُهَم لا دليل عليها.. ثم أتى من بعده ضعيفٌ آخر، يُدعى [العثماني] الذي اعترف بضعفه دون أن يشعر، وبدأ بمشاعر فيّاضة وعواطفَ جيّاشة تجاه المعطلين، واعترف بأن [قلبه يتقطّع]؛ ومتى (تقطّع) قلبُ من ينال الملايين شهريا، وهي سرقات موصوفة حسب [أبي ذرٍّ الغفاري] الذي قال: [ما زاد عن الحاجة فهو سرقة]، وهي عبارة ردّدها كذلك الزعيم الهندي [غاندي]..
رجلان ضعيفان، لا يقدران حتى على تسيير وإدارة مقهى في البادية، وجدا نفسيْهما فجأة على رأس حكومة، في بلد عريق، يسمّى المغرب؛ أليستْ هذه من غرائب هذا الزمن الرديء؟ رجلان أحاطا نفسيْهما بزمرة ذئبية حزبية، وكل خميس يعيّنان ذئابا في مناصبَ عليا، ويمنّيان الشعبَ بغد رغيد لن يأتي أبدا.. رجلان نسفا أعز وأثمن ما عند المواطن، وهو مصدر رزقه؛ أخذاه منه، وأضافاه إلى ما عند المتخمين، والأكلة، وسمّيا ذلك إصلاحا، وسياسةً جرّيئة، وقرارات شجاعة؛ فسحْقا لها من إصلاحات، وقد خاب من زكّاها؛ أي والله! كان من المفروض جرُّهما من رقبتيهما أمام محكمة صارمة، ما داما قد خانا أمّة، وتصرّفا في أموالها، وتخوّضا في ممتلكاتها بما لا يرضي الخالق والمخلوق؛ فيما يحاسَب البائس على درهمين، وتُصرف مبالغ لاسترداد درهمين وغضّ الطرف عن ملايير نُهبت، ياه! واليوم، يتحدث [العثماني] بأسلوب رومانسي جَبْراني، ويتقطّع قلبُه؛ قال في حقّه الشاعر، وفي حقّ عتريس صار بستانيا، وذئبٍ صار راعيا:
يبيت الفقيرُ وأولادُه * وزوْجتُه يشتكون الطّوى
وهذا العثماني ووزراؤُه * وزُمْرتُه يأكلون الشّوى
ولو سمعوا مواطنا يشتكي * من الجوع، ظنّوه كلبًا عَوى
ولو أكلوا التمر، لم يسمحوا * للمسحوقين بحبوب النّوى.
فارس محمد