يتجه حزب الاستقلال نحو عقد مؤتمره الوطني، وهو أقرب مؤتمر اليوم من تاريخنا، وتنصب عليه اهتمامات كبيرة، لا يرقى إليها حتى مؤتمر العدالة والتنمية، باعتبار أن الأول يمكن أن يكون مؤتمرا تجديديا بينما الثاني قد يكون ارتكاسيا يؤسس لديكتاتورية صغيرة داخل حزب الإسلاميين، وهي دكتاتورية تضر بمسار الحزب والحكومة وبالتالي البلد، ولهذا يكتسي مؤتمر الاستقلاليين أهمية خاصة وتتجه إليه الأنظار، باعتباره فاتحة لعدد كبير من المؤتمرات لأحزاب أخرى، وقد يكون نموذجا يحتذى.
ليس مهما أن يتم انتخاب حميد شباط، الأمين العام الحالي للحزب ولا أن يتم انتخاب نزار بركة، في موقع القيادي رقم واحد للحزب التاريخي بالمغرب، ولكن المهم طريقة إنجاز المؤتمر وما سيصدر عنه، وهل سيجترح مخرجات لأزمة الأحزاب السياسية، التي تعيش عالة على الأفكار القديمة، أم سيبقى في حدود مؤتمر عاد جدا منسجم مع قانون الأحزاب السياسية؟
ليس مهما طبيعة الأشخاص، الذين سيتولون القيادة في المؤتمر المقبل، ولكن المهم ما سيحملونه معهم من أفكار وأطروحات وبرنامج سياسي وأطروحات اجتماعية واقتصادية، وإلا فإن تبديل شخص بآخر ليس ذا فائدة تذكر، فلا معنى لاستبدال زيد بعمرو، إن لم تكن البرامج هي الحاكمة؟
غير أن هناك لفتة مهمة لابد من التركيز عليها، ونحن نتحدث عن مؤتمر حزب الاستقلال وما تتلوه من مؤتمرات. الحامل يبقى تجسيدا للمحمول. الحامل هو القيادة السياسية المنسجمة، والمحمول هو البرنامج السياسي للمرحلة.
عندما نتحدث عن برنامج مرحلي، يجيب عن أسئلة السياسة والاقتصاد والاجتماع، فإننا نتحدث عن برنامج يسعى للتجاوب مع مرحلة بكاملها، بتحدياتها وإشكالاتها. لهذا يرتبط البرنامج بالقيادة السياسية، القادرة على التفاعل الإيجابي مع الواقع، ولا نعتقد أن النخب نفسها قادرة على أن تدبر كافة المراحل.
فالمطروح على الأحزاب اليوم تجديد النخب بقدر تجديد الأفكار والأطروحات، ولا فائدة من وراء تغيير الأشخاص إن لم يكن ذلك مقرونا بتجديد البرامج، فالمرحلة التي أعقبت ما يسمى الربيع العربي ليست هي مرحلة خريفه حتى لو حاول الزعيم المعزول الإيحاء باستمرار ربيعه الإخواني في التجول بشوارع الرباط.
بمعنى أن المرحلة تغيرت ومتطلباتها ازدادت، ولا يمكن لمن قاد المرحلة السابقة أن يقود المرحلة المقبلة، حيث تنمط على أسلوب "ثورجي". بينما المرحلة التي نعيشها والتي تحملنا نحو آفاق أخرى، تحتاج للتأني وتحتاج لرؤى واضحة لا لخطب رنانة.
في وقت تتطلع فيه القواعد الحزبية ويتطلع فيه المهتمون بالمشهد السياسي إلى تجديد النخب وفق متطلبات الواقع، يصر الزعيم "القدوة" على طلب ولاية أخرى على رأس حزبه رغم أن القانون الداخلي لا يسمح بذلك ولا يسمح بطلب الترشح، لكن هناك إصرار على الاستمرار في مرحلة كانت كارثية على المغرب من كل الجوانب واستطاع أن يتجاوزها بفضل وجود مؤسسات قوية هي الضامن لاستقرار البلاد واستمرارها.