أحمد نور الدين*
اختار الأمين العام الأممي تتويج مسار وزير خارجية الجزائر السابق بتعيينه وسيطاً أممياً لحلّ النزاعات الدولية. وهو منصب مرموق سيتقاسمه مع 18 شخصية عالمية بارزة؛ من بينهم رؤساء دول ووزراء خارجية سابقين.
لذلك، يبدو أنّ مشاكل المغرب لن تنتهي مع مغادرة السيد رمتان العمامرة، في يونيو الماضي، لمنصب وزير خارجية بلده، بل على العكس ستزداد بعد أن أصبح يشغل منصباً سامياً داخل المربع الذهبي لفريق الأمين العام الأممي. فماذا عساهم يقولون أولئك الذين بشرونا بقدوم "صديق" المغرب على رأس المنظمة الأممية؟
يأتي هذا الخبر تزامناً مع لقاء جمع، بنيويورك، بين المبعوث الجديد إلى الصحراء وممثلين عن الجبهة الانفصالية؛ وهو لقاء لا تفصله إلاّ أيام معدودة عن الموعد السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة واللجنة الرابعة. كما أنه يبدو عملاً استباقياً لزيارة كوهلر إلى المنطقة، في محاولة للتأثير على توجهاته المستقبلية وخُطة عمله ومقاربته تجاه ملف الصحراء، في إطار استراتيجية الضغط التي تنهجها الجزائر في ملف الصحراء.
ولنتذكر جيداً زيارة السيد بان كي مون إلى الصحراء في الأنفاس الأخيرة من ولايته، وهو ما لا يمكن اعتباره مجرّد صُدفة في أجندة أكبر مسؤول أممي. لذلك، لا يجب أن نستهين بهذا الضغط الجزائري الذي يشتغل على كلّ الجبهات؛ ومنها الكونغرس الأمريكي، والبرلمان والاتحاد الأوروبيان، بالإضافة إلى ما يسمى "مجلس السلم والأمن الإفريقي" الذي تحتكر الجزائر رئاسته منذ إحداثه سنة 2002.
ولا يستقيم أن نتحدث عن لقاء كوهلر مع الانفصاليين بمعزل عن سلسلة التحركات التي دشنتها الدبلوماسية الجزائر منذ تعيين السيد غوتريس. ونذكر منها على وجه الخصوص مسارعة وزير خارجيتها آنذاك إلى زيارة واشنطن في 16 ماي الماضي، ولم يكن شخصاً آخر غير السيد رمتان العمامرة! بينما تأخر أول لقاء لوزير خارجيتنا السيد ناصر بوريطة مع السيد ريكس تلرسون إلى غاية 7 سبتمبر الحالي، أي بعد حوالي أربعة شهور.
ولا يمكن القفز على تصريحات قيادة الانفصاليين التي تتهم الأمين العام الجديد بتهميش ملف الصحراء كشكل من أشكال الضغط النفسي والإعلامي. وقبل ذلك، التصعيد الأمني الذي شهدته منطقة الكركرات في محاولة لخلق الاصطدام بين المغرب والأمين العام الجديد في بداية مشواره، أو على الأقل لفت الأنظار الدولية وخلق سابقة وأمر واقع جديد.
وبين هذا وذاك لا ينبغي أن ننسى المصلحة الجزائرية في عرقلة هذا المعبر الحدودي بين المغرب وموريتانيا الذي يعدّ جسراً حيوياً نحو إفريقيا عموماً ومنطقة "سيداو" خصوصاً. ولقد انكشفت بعض النوايا السوداء التي تقف وراء أحداث الكركرات ستة أشهر بعد وقوعها، حيث تمّ الإعلان مؤخراً عن مشروع جزائري لفتح معبر مع موريتانيا قرب الزويرات، وما خفي كان أعظم.
هذا غيض من فيض العمليات المعادية التي امتدت لتطال كلّ المجالات؛ بما فيها عمليات احتجاز السفن المغربية الناقلة للفوسفاط، وكان أبرزها ما وقع في ميناء "إليزابيث بورت" في جنوب إفريقيا. وهذا العمل وحده يتطلب عمليات معقدة لِتَتبّع مسار السفن المغربية ومصدر شُحنتها، وهو أمر ليس متاحاً لمجموعة انفصالية منزوعة الإرادة، وإنما مخطط قامت برعايته أجهزة الدولة الجزائرية بكل مكوناتها.
لا شيء إذن يشغل النظام الجزائري عن السعي بكل الوسائل إلى تفتيت وحدة المغرب وتقسيم أراضيه: فلا غيبوبة الرئيس وعجزه عن مُجرد استقبال بروتوكولي لسفراء الدول الأجنبية يهمّ، ولا الغليان الشعبي في المدن الجزائرية بسبب انقطاع الماء يدخل ضمن أولويات الدولة، ولا البيان الذي وقعته الشخصيات الوطنية والمثقفون لعزل السيد بوتفليقة يثير الانتباه.
ولا حتى دعوة زعماء أحزاب سياسية إلى تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، بسبب شغور منصب الرئيس وفقاً لأحكام المادة 102 من الدستور الجزائري، تلقى آذاناً صاغية، ولا تصاعد وتيرة الإرهاب الذي ضرب إحدى مديريات الأمن نهاية غشت في تحدّ واضح للأجهزة الأمنية يستحق التركيز؛ بل إنّ الوزير الأول المعين السيد أويحيى أعلن، منذ بضعة أيام، عن احتمال عجز الدولة عن أداء أجور موظفيها.. ومع ذلك تستمرّ دبلوماسية العسكر الجزائري في تغذية التوتر في المنطقة المغاربية من خلال حملاتها المنتظمة ضدّ المغرب في أروقة الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى.
وإذا كان سرد الوقائع يساعد على استيعاب حجم المؤامرة الجزائرية وشموليتها واستمرارها في الزمن، فإنّ هدفنا من ذلك يبقى هو التنبيه إلى حجم خطورتها، وتفكيك بنياتها حتى يتمكن المعنيون بالأمر من التعامل معها استراتيجياً وليس من خلال ردود الأفعال أو برامج متفرقة لا يجمع بينها نَسق.
وفي انتظار استراتيجية وطنية تليق بحجم المؤامرة، على المغرب أن يواصل تكتيكياً رفضه استئناف أي مفاوضات، إلاّ إذا تمّ إحصاء اللاجئين وفقاً لاتفاقيات جنيف التي تعطيهم الحق في العودة إلى موطنهم –المغرب- أو الانتقال إلى بلد ثالث؛ وهو ما ترفضه الجزائر مطلقاً، لأن اللاجئين يشكلون "السّجل التجاري" أو الورقة الأخيرة التي بحوزتها لإطالة أمد النزاع على حساب آلام ومعاناة 40 ألف إنسان.
إنها حالة استثنائية وفريدة في كل مخيمات اللاجئين عبر العالم، أن تجد دولةَ الاستقبالِ هي التي تعرقل عودة اللاجئين وليس العكس. وهذا لوحده يكشف للمنتظم الدولي أن النظام الجزائري هو الطرف الحقيقي في نزاع الصحراء وليس بقايا الجبهة التي عاد معظم قادتها إلى أرض الوطن. ومع ذلك أصرّ المفوض الأممي السابق للاجئين، الخبير بأوضاع تندوف، على أن يتوّج وزير خارجية الجزائر وسيطاً لحل النزاعات، فهل هي مجرد صدفة؟ أم رسالة تحتاج إلى فك شفرة؟
*باحث في القضايا الدولية والاستراتيجية