السياسة تقتضي زعيما جديرا بالقيادة، طيب المعشر ومحنكا في آن واحد، له القدرة على إنعاش الحظوظ السياسية للتنظيم، وامتصاص مشاعر الاستياء، وتقوية شعبية التنظيم، وإحقاق الوحدة على الأجنحة المتعددة والمختلفة،ومواجهة كل المحاولات اليائسة والبئيسة التي تسعى لزرع القلائل في أوساط الشباب والنساء والمنتخبين بأساليب دنيئة وحقيرة.
السياسة أخلاق وليست نفاقا سياسيا ودسائس. والدفاع عن أي مشروع كيفما كان لونه ونوعه هو، قبل كل شيء، دفاع عن قناعة نظيفة في العقل والقلب والجيب، وقدرة على الانضباط والاحتكام للقوانين والأعراف والتقاليد المتعارف عليها في جميع التجارب السياسية...
ويعتبر المشروع الذي ندافع عنه هو بيت الانتماء، البيت الذي يسع للجميع، و يكون فضاء للعمل والاجتهاد والإبداع، وليس لمن يريد من يريد استمالة المناضلين بالتجنيد والتجييش، إذ أن حبل "التخربيق" قصير، ولا تدوم الا سلطة الممارسة الديمقراطية الرشيدة ضد جماح الطغيان والاستبداد والفساد. يجب استمالة المناضلين بالانجازات الفكرية والبرنامجية، الاقتصادية منها والاجتماعية والثقافية، واقتراح تصورات واجتهادات عليهم ببرامج تهم مختلف المجالات، من النهوض بالإسكان، إلى إصالاح التعليم، مرورا باقتراح السبل والحلول لمختلف الفئات، من دعم الفقراء والمحتاجين إلى تيسير سبل العيش لذي الاحتياجات الخاصة، وكبح جماح البطالة، وتقديم أجوبة ناجعة لإشكالات وقضايا الهجرة ومغاربة العالم،ولمستقبل النساء والشباب في وطننا، والقدرة على الحوار مع كل الفرقاء السياسيين والتيارات السياسية والثقافية، المعلنة منها وغير المعلنة.
كما يجب أن يكون لهذا الزعيم توجهه الخاص، ومنظوره للقضايا الوطنية الكبرى، من قضايا التنمية المجتمعية، وفي مقدمتها التنمية المجالية، على قضية السيادة الوطنية، وتثبيت وإكمال الوحدة الترابية، بما فيها تحرير باقي المستعمرات المناطق المستعمرة، وبلورة ورؤية للعلاقات الخارجية والدبلوماسية، التي تعتبر ركنا أساسيا من أركان الدولة، معززة بالقدرة على الإقناع والترافع على التنظيم والوطن وأمام كل المؤسسات والمنتديات الوطنية والدولية.
إن السياسة توقظ الأحلام والوجدان عند كل الناس، لكنها توقظ الأنانية لدى البعض، خاصة أولئك الذين يريدون، قبل كل شيء، إشباع رغباتهم المادية. وهؤلاء هم المصابون بمرض المنافسة الضارية من دون تنظيم ولا مؤسسات، لأنهم يعتبرون المناضلين زبائن، واللعبة السياسية بابا لمكاسب مادية، ما يجعلهم، في المحصلة الأخيرة، يسقطون في سلوكات مرضية، فيتحركون بالكراهية بدل الحب، والانقسام بدل التعاون.. وأمام غياب المحاسبة والردع، يصبح هؤلاء جزء من "مافيا عميقة"، فتراهم في النهار يراودون الحداثة، وفي الليل يأكلون من أطباق الأصولية...
المطروح للنقاش اليوم هو، نظرة جديدة ومختلفة إلى الناس والعلاقات والكون: كيف نستثمر في العنصر البشري ونعول عليه في إدارة شؤونه؟ كيف ندربه على التفاوض الجدي، في ضبط أموره الخاصة والعامة، من منطلق القواعد الأخلاقية، بدلا من التهميش والتحقير والمعاقبة؟
إن تاريخ البشرية يشهد على عدة تجارب إنسانية رائدة، ومن بينها تلك التي أتيحت فيها للناس فرصة التمتع بالوكالة الحقيقية لتدبير شؤونهم بأنفسهم، وهي تجارب يرجع لها الفضل الذي نغرف منه الحب والتوافق بأفق التحديث والتجديد والتطوير والدمقرطة المستمرة والمتواصلة. فكيف يأتي من يوجد عقله في جيبه، و قلبه في أنانيته، ليحدث أسياده بحروف النضال ومناهج التواصل والاتصال، وهو الغارق في الفساد حتى النتانة؟
إن تمييع السياسة ، وإفراغها من محتواها المجتمي الراشد والفاعل والجدير بالناء، يحولها الى مشاعر متضاربة من الخوف والعنهجية وانعدام الثقة إلى إشعال أوار"حرب الجميع ضد الجميع"، وهذا ما جاءت تجربتنا الفتية لمواجهته، للتأسيس لتجربة بديلة مبنية على مشروع نبيل، وعهد جديد، يؤسس لنغرب آخر، مغرب لكل المغاربة، مغرب الكرامة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية الحقيقية والحرية، وضمنها احترام حرية الرأي والتعبير، في إطار القانون وأركانه الدستورية...
هذا هو وأملنا في الآن نفسه، وعلى قاعدته نجتمع في بيتنا ونكثف الجهود والارادات من أجل تحقيق هدفه بثنائيته المتلازمة: البناء والنماء، ومن أجله وعلى هديه، لن يصمت المناضلون على أي غعل يجر إلى العرقلة والفشل والاحباط والتهميش والتيئيس...لن يصمتوا على أي خبث ملون، بألوان الحسب والنسب واللون والعرق والقبيلة، أو بألوان الغبار والتيه والظلام... لن يصمتوا على سدنة التهييج السياسوي وخد الأهداف الغامضة، التي تقود الى قمع حرية الفرد، وغرس التشكيك، وتعميم التغليط، ونشر التفرقة، وتقوية السلوك السيكولوجي الانفعالي (باطوس)، الذي يعترف به هؤلاء رسميا في خرجاتهم الإعلامية أو حينما نسألهم...لن يصمتوا عن المواجهة، ولن يستكنفوا عن البناء، سيقرنون الأقوال بالأفعال، ليواصلوا معا، مثلما قدموا، تقديم عرضهم السياسي المجتمعي الجديد الجدير بمغرب اليوم والغد...
المصطفى المريزق