شِئنا أم أبينا فالجنس وممارسته داخل أو خارج مؤسسة الزواج شائع بكل أنواعه ومعاناته وأساليبه ومفاهيمه الخاطئة المنعكسة سلبياً على سلوكيات الشباب والكبار. ورغم أن الجنس هو مركز الاهتمام اليومي (مسكوت عنه) والمتسبب في فقدان التوازن النفسي والاستقرار الذاتي نجد المغربي يزعم بكل فخر "حْنا بلد مُتدين كُلشي الحمد لله مْزْيانْ وْ داكْشي لِكَتْهْضْرْ عْليهْ حالات نادرة وناتجة على الابتعاد من الدين". و هذا هو عين الجنون والتناقض!
ألاحظ الكل يرفض أو يطالب بالتربية الجنسية دون أي معرفة بـمضامينها ويتصور المغربي أن التربية الجنسية هي مجرد اطلاع الطفل على كيفية ممارسة الجنس وهذا شيء غير معقول. لكن التربية الجنسية في الأصل هي إلمام بـكل شيء ماعدا تعليم العمليات الجنسية الميكانيكية!
إن التربية الجنسية عند الطفل تقوم أساساً على الحياة العاطفية بين الذكر والأنثى ومعرفة الخصوصيات الجنسية عند الفتاة والفتى لأنهما مختلفان تماما كما يجب أن ندرك أن ذهن الأنثى مختلف عن الذكر. وإذا أردنا أن تكون في مجتمعنا تربية جنسية فلابد أن نبدأ بأولياء الأمور والأساتذة وكذلك بـفقهاء الدين والأئمة ليغيروا أفكارهم الخاطئة عن هذه التربية ويُنموا القدرات اللازمة لتطوير وتحديث فكرهم واعتقاداتهم. وسأكتفي هنا بالحديث عن دور الآباء فقط.
1- الطفولة:
- عدم استعمال "الحشومة" للتصالح مع الجسد : حينما يصل الطفل للمرحلة العمرية بين الخامسة والسادسة يكتشف أعضائه التناسلية الخارجية ويبدأ في لمسها وهو أمر طبيعي ويجب علينا أن نُفهمه بأن هذا جسده وله الحرية في أن يلمس ما شاء منه ولكن للمجتمع قواعد يجب احترامها حتى "ماما و بابا" بحيث لمس هذه المناطق ممنوع عوض "حشومة" وإذا أراد فعل ذلك يذهب إلى مكان آخر ويفعله بدون إحساسه بأي ذنب ويبقى في تصالح مع جسده لأن ثقافة "الحشومة" هي التي جعلت المغربي في صراع مع جسده وحتى الأزواج يمارسون الجنس في الظلام لأن رؤية الجسم عاريا "حشومة".
- سن الختانة: لهذه العادة عواقب وخيمة على الحياة الجنسية إذا تمت بعد سن الخامسة حيث يكون الطفل في مرحلة واعي بجهازه التناسلي و قد يتصور أنه كان للأنثى أيضاً قضيب قُطع لها. وأثناء عملية الختانة بعد السن الخامس يركبه الرعب ويسكنه بقية حياته لأنه يعتقد أنه سيفقد عضوه. وهذا من العوامل التي تجعل الذكور يضعون أياديهم على أعضائهم الذكرية آلاف المرات يومياً حتى في الأماكن العامة ليتأكدوا أنها لا زالت حاضرة.
- الوقاية من التحرش الجنسي: توعية الطفل بطريقة عفوية وأثناء كل المناسبات مثل "الحمام أو الدوش أو تغيير الملابس" بأن هذا جسده ولا يحق لأحد من غير الوالدين أو خارج نطاق الخدمة الطبية أن يضع يديه على مؤخرته أو عضوه الجنسي مثل "اِلَ شِواحْدْ بْغَى يْهْبّْطْلِكْ سّْليبْ أو السروال" يجب أن يصرخ ويخبر أي راشد قريب منه مثل المعلم أو الوالدين أو أفراد العائلة لأن القانون يمنع هذا الانتهاك. فإذا كنا فقط نستعمل "الحشومة" وعودنا الطفل على التعنيف و الضرب فإنه إذا تعرض للتحرش فسوف يخاف من البوح لأنه خاضع لسلطة "حشومة" ويظن أنه هو السبب وبالتالي لن يُحدث أحداً عن ما وقع له وبالخصوص أن للمجرمين طرقاً فعالةَ يهددون بها الأطفال مثل "اِلَ قْلْتِها لوالديك غَدِي يْقْتْلوكْ بْالعْصَ وْ يْمْشِيوْ للحْبْسْ"
- الجواب على مختلف أسئلة الطفل: من اللازم تربوياً أن نجيب الطفل على كل أسئلته حتى المحرجة منها و لكن بشكل يراعي مستوى فهمه ولا نرد عليه بـطريقة "سْكوتْ حْشوما" عندما يسأل مثلاَ "كِيفاشِ خْرْجْتْ مْنْ كْرْشْكْ ماما؟"
2- الشباب الناشئ
- الاعتراف بالشحنة الجنسية: يكتشف الناشئ ميوله(ها) للجنس الآخر ويجب هنا على الوالدين مرافقة أبنائهم في هذه المرحلة حيث يمكن مصارحة الناشئة سواء الذكور أو الإناث بأن هذه الطاقة الجنسية طاقة طبيعية غريزية ايجابية ولا داعي للخجل منها فهي في خدمتنا و يمكن التعامل معها و ضبطها تحت سلطة عقولنا وأخلاقنا .
- تقنين الشحنة الجنسية: على الوالدين أن يرافقا الناشئ في تسيير طاقته الجنسية بالاستحكام فيها وتوجيهها بدون الإقدام على استهلاكها مباشرة وله أن ينتظر حتى يتم تكوينه الجسدي والهرموني والذهني. وهنا نرى أهمية الاهتمام بـالرياضة والفن والمشاركة في مشاريع ثقافية وبرامج خدمة المجتمع حيث أن هذه الأنشطة تساعد الناشئ على تقنين وتوجيه هذه الطاقة وتحويلها إلى طاقات تُطور قدراته ومهاراته في ميادين أخرى كما تساهم في انخفاض ضغوطاته الجنسية وتقلل حظوظ وقوعه في عمليات جنسية سابقة لأوانها.
- الاعتراف بالحب كطاقة ايجابية: على الآباء أن يعترفوا للناشئ بأن الحب هو الذي يجمع بين البشر وأن الشعور به اتجاه الجنس الآخر أمر طبيعي لا جُرم فيه ولكن مع تقنين الطاقة الجنسية والامتناع من استهلاكها قبل الأوان.
- مفهوم العفة دون استعمال ثقافة "حرام": تبرير المنع بـ "هذا حرام" طريقة فاشلة في أرض الواقع و يكون من الأفضل عوض استعمال "حرام" أن نبحث عن بدائل أخرى تدفع الناشئة للتحري و البحث بأنفسهم عن مزايا العفة حتى يصلوا إلى قناعة تامة ونتشاور معهم فيما أوصلتهم إليه بحوثهم لكي يتحملوا مسؤولياتهم ولا يتهموا الآباء بمنعهم كأنهم "قضاة" وتكون قراراتهم و أفعالهم مبنية عن قناعة وليس تحت سلطان "هذا حرام".
- الأزياء والشعر والموضة: على الآباء أن يكفوا من "لحشومة" ويخلقوا الحوار مع أبنائهم في أي فرصة ويشجعوا دائماً الناشئ على التفكير والتحليل والبحث للوصول إلى الاقتناع الذاتي وتحمل المسؤولية. فمثلا عوض ما نقول "حْيّْدْ عْلْيَّ دُوكْ الحْوايْجْ راهْ عارْ وْ حْشومَة" ونخلق التنافر في الحوار بإمكاننا أن نقول "علاشْ بَغْيا تْلْبْسِي هَكَّا؟" أو "عْلاشْ باغْيا دِيرِي الماكْياجْ"؟ أو "عْلاشْ زْعْمَى بَغِي دِيرِ هادْ التَّحْسِينَة أوْ دِيرْ هادْ التَّاتْوّاجْ؟".
3- دور الآباء
- نموذج الحياة الجنسية عند الوالدين: عليهما أن يعبرا عن الحب الذي يربطهما بالاحترام المتبادل والحنان والحديث العاطفي وروح المودة واستعمال الكلمات الطيبة وإظهار المشاعر الرقيقة الجياشة وحتى تبادل القبلات أمام أطفالهما بحيث تترسخ لديهم أن كل واحد من والديهما يسعى لسعادة الآخر وهذا من أساليب التربية الجنسية.
- المساواة بين الزوج والزوجة: كشركاء متساويين في تسيير المنزل والتربية وتحمل المسؤوليات وليس الأم "الخادمة" والأب "السلطان" وكذلك ليس على شاكلة ثُنائية "الأم العاطفية-الأب القاسي" مثل " وَصْبارْ يْجِي بَّاكْ وْ تْشوفْ"..
- المساواة في الحقوق في التربية بين الذكر والأنثى: و هذا يعني أنه ليس هناك امتيازات خاصة تتعلق بطبيعة جنس الطفل فلا يرى تفرقة بينه وبين أخته وينتج نفس السلوك في علاقاتهما مستقبلا وهذا شيء ضروري في التربية الجنسية.
مازالت هناك الكثير من الأمور لا يسع المجال لأتطرق إليها لكن حرصاً على تركيز القراء أكتفي بهذا القدر و للحديث بقية.