اتضح من خلال التصريح الذي قدمه سعد الدين العثماني حول أربعة أشهر من عُمْر حكومته أن رئيس الحكومة يواجه ضغطا من حزبه وضغطا آخر من أغلبية غير منسجمة على الرغم مما يبديه أعضاؤها من معالم لانسجام واهم.
الأشهر الأربعة التي مرت من عمر حكومة العثماني كانت كافية لتظهر أنها تخبط خبط عشواء. فهناك قرارات ملكية جاءت واضحة وملزمة في خطاب العرش الأخير تطالب بالتفعيل الجدي والسريع للعديد من القضايا ذات الأولوية، إلا أن العثماني تهرب منها في تصريحه، ولم يذكر منها أي شيء، أولا لكونه لا يستطيع ويعجز عن الدخول في متاهة ملفات هذه القضايا الشائكة التي تتطلب الجرأة والجدية والانسجام التام والفعلي لمكونات الحكومة، وثانيا، وهذا هو الأهم لأن العثماني وجد نفسه خلال أربعة أشهر من العمل الحكومي غارقا في التركة السلبية التي خلفها له "أخوه" بنكيران، سواء على مستوى أزمة الحسيمة، بفعل تضارب المصالح الحزبية بين حزبه "البيجيدي" وحزب "البام"، حيث ترك المنطقة بكاملها وأبناؤها يؤدّون الثمن باهظا، وسواء على مستوى الاستثمارات الداخلية والخارجية، وهو القطاع الحيوي المؤثر بشكل مباشر في نمو الاقتصاد الوطني الذي لم يتم إعطاؤه الأهمية المرجوة لإرساء المعالم الحقيقية لاستقرار اجتماعي حقيقي في كل جهات المملكة وليس فقط في الجهة التي توجد بها الحسيمة، وهو ما أدّى إلى عدم رفع وتيرة النمو بسبب ضعف مردودية الاستثمار العمومي وتراجع أنشطة القطاع الخاص وما صاحب ذلك من ضعف لتأهيل اليد العاملة، وبالتالي عدم إنتاج فرص الشغل وغياب آليات محاربة البطالة خصوصا في صفوف الطبقة النشيطة ولدى حملة الشهادات العليا.
وما قيل عن قطاعي الاستثمارات والشغل يقال عن قطاعات أخرى أكثر حيوية، أهمها قطاع الصحة الذي تدهور بغياب الأدوية وغياب الأسرة وتدهور الموارد البشرية وعودة المغرب إلى بداية الستينيات بعودة العديد من الأمراض والأوبئة.
قطاع التعليم بدوره يبقى نقطة سوداء في عمر حكومة العثماني. وعلى الرغم من محاولات البداية التي قام بها الوزير محمد حصاد لخلق الصدمة داخل هذا القطاع الحيوي الاجتماعي المؤثر في تقدم الأمصار، من خلال خلق التفاعل داخل المدرسة عبر تحريك رجال التعليم وآباء التلاميذ وأوليائهم، إلا أن هذه البدايات بدت خجولة وغير ذات جدوى لغياب منهجية استراتيجية تؤثث القطاع وتنقذ المدرسة من التخلف الذي دخلت فيه وتجعلها آلية حقيقية في خدمة محيطها الاجتماعي والاقتصادي وبالتالي قناة حقيقية لإنتاج التلاميذ المبتكرين وليس التلاميذ الذين ينتظرون من يشغلهم.
ولن نقف هنا عند هذه القطاعات لأن المغرب دخل في حالة انتظار وأصبح في حاجة إلى خلخلة كبيرة بمثابة زلزال سياسي كبير لزعزعة اللوبيات الحزبية بل زعزعة الكيان الحزبي برمته لإخراج المغرب من هذه الظلامية السياسية، وبالتالي جعل المؤسسة الحزبية تتفاعل مع المجتمع وتنتج النخب المتسيّسة والمؤطرة والمكونة والمتطلعة إلى قيادة البلاد في المستقبل القريب، لأن ما هو موجود حاليا ليس إلا دكاكين سياسية لإنتاج الخطاب الفارغ وتفريخ أشباه السياسيين وأشباه الأطر والقياديين، وبعبارة أشد، نخبة مزورة لنهب ثروات البلاد.
لقد سئم المغاربة من نخبتهم التي تسير الشأن العام، وسئموا من الحوارات "الفايسبوكية" و"اليوتوبية"، وسئموا كذلك من تورط هذا البرلماني وهذا السياسي في جرائم المال العام وفي الفساد بكل أنواعه.
للسيد العثماني نقول إن إنقاذ البلاد ليس بـ120 إجراءً فارغا، ولكن إنقاذها يتم بصدمة أو صعقة سياسية كبرى تنطلق من الذات، أي ذات الحكومة، حيث يجب أن يفرق أعضاؤها ورئيسها بين المسؤولية السياسية والمسؤولية التجارية والمالية، أي التفريق بين تدبير الشأن العام وشؤونهم الخاصة وعدم الانتهازية، لأننا أصبحنا نعيش خلطا مُمنهجا بين مصالح الوزير الشخصية من داخل مؤسسات المسؤولية وبين مصالح الشعب التي يدبرها باسم ذات المؤسسات.