سياسيونا أشخاص "زئبقيون"، سريعو التبدّل في المواقف والتموقع والتكتلات، أغلبهم يصعب عليك أن تثق في استمرارهم في سياسة واحدة، لا حليف لهم إلا مصلحتهم الشخصية، ولا أصدقاء لديهم حتى من بين أعضاء حزبهم وتحالفاتهم، يتلونون كالحرباء حسب الظروف والمستجدات والمعطيات، سياسيون سماسرة، يلهثون وراء أصواتنا في "انتخابات فلكلورية" ويبيعوننا بعدها في "بورصة مصالحهم الذاتية"، فبين زيت وسكر ودقيق وأوراق نقدية يضيع حلم مواطن ومعه مشروع ومستقبل وطن، ونظل في نفس المتاهة والدوامة لسنين، نفس التركيبة الإنتهازية لكن بأسماء ووجوه مختلفة.
قد يكون هذا ليس غريبا عن علم السياسة، فـ"السياسة تُبنى على المصالح، والمصالح تمحو المقابح، والأخلاق والقيم مساحيق لتجميل آلة المال والسطوة"، وسياسيونا نموذج حي مكتمل ومتكامل لكل معاني "السياسي الانتهازي"، لا فرق بين من ادعى مرجعية "إسلاموية" أو رفع شعارات اليسار، وبين من كان رمزا للكفاح والاستقلال أو ذاك الذي دافع عن الكادحين، ناهيك عن "دكاكين السياسة" التي ابتلينا بها في السنوات الأخيرة، كلهم في الانتهازية سواء،،، مثال للسياسي الذي يستطيع أن يغيّر سياساته وتوجهاته في أية لحظة، الساعي لتقديم مصلحته الخاصة على المصلحة العامة، سياسي بدرجة "رجل أعمال" هدفه الثراء واستغلال السلطة، يعتلي المنابر لدغدغة مشاعر الناس البسطاء، ويسعى بين الفينة والأخرى لإثارة الغبار في مواضيع لا تخلو من الإثارة والتفاهة والعنتريات، متناسيا قسمه ومسؤوليته، سياسي يتاجر بـ"الوطنيّة"، مقتدر في نهب الوطن حسب ما تيسّر له وما استطاع إلى النهب سبيلا، فالوطنية بالنسبة له هي بيع الأكاذيب والأوهام وحنث القسم وإهمال المسؤولية وتعطيل المشاريع ونهب الملك العام، المهم أن يملأ جيوبه غير آبه بما سيخلفه من تركة ثقيلة من التخلف والجهل والفقر والفساد.
لكن السياسة التي تُبنى على المصالح لها أيضا مبادئ وأخلاق، والأخلاق ضميرك أن تشبه نفسك، وسياسيونا أغلبهم بلا ضمير ولا حب للوطن، تشعر أن لا شيء يربطهم بالوطن وكأنه دكان يسترزقون منه، حتى أن أغلبهم يركض للحصول على جنسيات أخرى، وكأن هذا البلد العريق والراسخ في التاريخ لا يشرفهم، سياسيونا وأحزابهم في واد والمواطنون في واد آخر، فأغلب المواطنين يأسوا من السياسة وآفاقيها، وانخرطوا كلية في تفاصيل حياتهم اليومية، تاركين هؤلاء الشرذمة لصناعة الأكاذيب والأوهام باستغباء واستخفاف مفضوح بذكاء الشعب..
أمام كل هذا، أليس من حقنا أن نقلق على حاضرنا وبالأخص على مستقبلنا، فأي زمن سنُريثه لأجيال الغد؟ وأين فَشلنا حتى نُبتلى بمثل هذه النماذج من السياسيين؟ ثم، أليسوا منا، من هذا الشعب، أم استوردناهم من زحل مثلا؟ أليسوا انكعاسا لنا ولما آلت إليه أخلاقنا وواقعنا؟،، الخلاصة، رحم الله وطنا ابتلي بسياسيين انتهازيين وعجيب أمر شعبه الذي يتصالح مع الخطأ بشبه استسلام، ويغفل عن الحقائق ويعيش واقعا أخطر ما فيه هو أن أحداً، لم يعد معنياً بعلاجه..