يفرض موقع رئيس الحكومة على من يتولاه أن يكون رجل معلومات ومعطيات لا رجل الكلام الإنشائي لدغدغة العواطف. وسامح الله عبد الإله بنكيران، الذي مارس الخطابة في أسفل تجلياتها ونسي رئاسة الحكومة كمهمة صعبة، ويبدو أن خلفه سعد الدين العثماني، أصبح "خير خلف لخير سلف"، وبدل أن يتفاعل مع موضوع البطالة بلغة الأرقام شرع في لغة العواطف.
أول أمس الاثنين ترأس أشغال الاجتماع الأول للجنة الوزارية للتشغيل فقال ما لم يكن منتظرا منه "إن قلوبنا تتقطع حين ترى شابا يبحث عن شغل ولا يجده". رئيس الحكومة لا يرى بقلبه وإنما بعقله وعينيه.
لا مجال للعواطف في مجال الحكم وتدبير الشأن العام. ليس بمعنى أن يكون مفروضا فيمن يسير الحكومة عديم الإحساس. فهو بالنتيجة بشر مثلنا، أو وزير يمشي في الأسواق كما يحلو للإخوان في العدالة والتنمية قوله. والمشي في الأسواق كناية فقط على أن الأنبياء بشر لكنهم مختلفون. فأراد البعض أن يحولها إلى فعل "السوقة" أو "أولاد السوق" بما تحمله من دلالات لا تليق بمن هو في مقام كبير.
يمكن لرئيس الحكومة باعتباره إنسانا أن تكون لديه أحاسيس مرهفة، ويمكن أن يستعبر لما يرى منظرا مؤلما ومحزنا، أو لما يرى شابا دون عمل، او أرملة ليس ما تعيل به أولادها، وغيرها من المواقف، ومن حقه أن يرق لهذه المشاهد ويتعاطف مع أصحابها ويعينهم في إطار الصدقات.
لكن نحن اليوم نتحدث عن رئيس حكومة. العثماني الأب والمواطن والجار ليس هو العثماني رئيس الحكومة. عليه أن يدرك ذلك بجد. وعليه أن يتخلص من أمراض سلفه، الذي نزل بمقام رئاسة الحكومة أسفل سافلين، وجعلها وسيلة لخدمة الحركة والحزب بدل خدمة المجتمع أو على الأقل جمهور الناخبين الذين صوتوا عليه.
كان على رئيس الحكومة وهو يتحدث في افتتاح أشغال اللجنة الوزارية أن يقدم إستراتيجية في التشغيل، لأن الموضوع ليس كوة في حائط نريد إغلاقها ولكنه حائط وقد راب ينبغي بناؤه.
خلال خمس سنوات الماضية، دون احتساب تسعة أشهر الضائعة من عمر المشهد السياسي المغربي، عرف المغرب تحولات خطيرة على مستوى سوسيولوجيا العمل. خلال خمس سنوات ونتيجة لتسميم الوضع السياسي تم تسميم الوضع الاقتصادي، وتراجعت الاستثمارات بشكل خطير، ولم يقف الحد عن هذا المستوى بل تم إغلاق العديد من المقاولات الصغرى والمتوسطة، التي لم تستطع المقاومة ومواجهة تغول الإجراءات الضريبية، التي فرضتها الحكومة العاجزة عن إنتاج الثروة، ففقد نتيجة ذلك مئات بل آلاف مناصب الشغل ودخلوا في أرقام المندوبية السامية للتخطيط حول البطالة.
معضلة التشغيل ينبغي أن ينظر إليها في وضع اقتصادي عام وحلول اقتصادية منسجمة وليس بشكل منعزل، فالوضع كثير التشبيك والتعقيد ولا يمكن حله بعواطف رئيس الحكومة بل حتى لو بكى دموعا فلن يحل المشكل.