والمعذرة لكبير القوم محمد برادة واجبة، على استعمال عنوان روايته في هكذا مقام، لكنها حرارة الصيف وقد فعلت الأفاعيل في الأجساد المرهقة، وفرضت عليها في رحلة البحث عن الارتواء والإشباع أن تلجأ لكل الطرق وإن كانت لا تؤدي إلى روما، بل تقف بداية الصيف في سيدي قاسم بكل حرارتها المفرطة في فصل القيظ مما يعرفه ساكنة المنطقة من القديم.
قالت الرواية الأنترنيتية بدون عنعنة، ودون أي سند صحيح، إن الحكاية ابتدأت مع حوالي الخمسة عشر نفرا من شباب القوم هبوا لنجدة العضو الوحيد المتحرك في أجسادهم، فلم يجدوا إلا أتانا عابرة أمامهم تغري بكل دلال التبن فيها الحواس، وتثير بكل غنج الأنوثة وهمس النهيق بقية المسام، فكان ماكان مما تبارت مواقع الأنترنيت - رعاها الله هي الأخرى - في البلد في الكشف عن تفاصيله، والبوح بكل خفاياه حتى صار أغلبنا مثقفا في مجال "الزووفيليا" هذا عارفا بأنواعه، مفرقا بين أشكاله، ومستوعبا للبون الشاسع والفرق المهول بين تقبيل الحمارة في سيدي قاسم، وبين الاستسلام للكلب في غيره من المناطق، دون نسيان الخاتمة الضرورية التي تقول "حاشا الجميع، وأعز الله قدر السامعين ومن يقرأ الكلام وكل من قال آمين".
ولأن الصعب هو البداية فقط مثلما قال المغاربة في المأثور، فإن التتمة كانت مشابهة تقريبا. استفقنا ذات صباح أو ذات مساء - الله أعلم - على مشهد فاضح فادح في حافلة للنقل العمومي لصغار يشبهون صغار سيدي قاسم في الوحشية، يعتدون هاته المرة على صغيرة قادها حظها العاثر إلى براثنهم، فاعتقدوا الأمر لعبا وقاموا بما قاموا به مما وثقوه في الأنترنيت، ودفعوا به دفعا إلى اليوتوب وهم يعتقدون أنهم أحسنوا صنعا.
ومرة أخرى ولأن "الشي من لزوم الشي" مثلما يقول المصريون في مسلسلاتهم، فإن مواقع الأنترنيت في البلد - وهي كثيرة ومزدهرة وفعالة لما تريد ويرجى الحفاظ عليها هكذا إلى أن يرث الله الأنترنيت والأرض كلها ومن عليها- تبارت مرة أخرى في الحديث مع الصغار وعائلاتهم وذهبت تبحث عن السبب الذي سيجعل عملية اغتصاب تتم في وضح النهار داخل حافلة عمومية في بلد مثل المغرب لم نكن نعتقد - أو للأمانة لم نرد أن نصدق - أن درجة الكبت فيه وصلت إلى هذا الحد المقيت.
خرج الخارجون إلى الشوارع وقالوا "لا"، ورد عليهم بعض الحمقى بأن "الفتيات يتبرجن ويدفعن الشباب إلى الهيجان"، وانخرطت الجوقة الحمقاء إياها في نقاش جديد من ذلك الذي تبرع فيه والذي لا أثر فيه للنقاش، بل هو مجرد تنفيس عن عديد الأشياء مما يستطيع أطباء النفس والسلوكيات التوصل إليه بسهولة ومما لاشأن لنا به الآن، لأنه ليس موضوعنا أو لنقل إننا لانريده أن يكون موضوعنا اليوم.
ولأن المثل الفرنسي علمنا دوما أنه لا وجود لإثنين دون ثلاثة، فقد كان ضروريا أن تخرج علينا "أليكسا" المتخصصة في عد النقرات وحساب الوالجين يوميا إلى المواقع في الأنترنيت بترتيب بشرتنا فيه، أن قومنا المغاربة هم من رواد الاطلاع على صفحات الجنس ومواقع البورنوغرافيا في العالم.
خبر سار للبعض، محزن للبعض الثاني، عادي للبعض الثالث، متوقع بل وأكثر من المتوقع للبعض الآخر، ودال على اللاشيء مرة أخرى. ففي حكاية الجنس هاته علمتنا القاعدة الإنسانية الأولى أنه غريزة بشرية تولد معنا وتختفي معنا.
ناس الحضارة قرروا لها تربية معينة، وتعليما وربطا بالمشاعر المتحضرة لكي نختلف بها عن الحيوانات التي قد تمارس في الشارع والتي قد تمارس مع الجميع، لكن ناس التخلف المحافظين على التقاليد المحترمين للأعراف القابضين علنا على جمر الأخلاق الكاذبة، الممارسين سرا لكل الموبقات أرادوا لها ديكورا آخر تحت عنوان "إذا ابتليتم" فكان لهم كل شيء إلا الستر، إذ يوميا تخرج فضيحة جديدة تقول لنا "من القلب إلى القلب" إن لدى أهالينا إشكالا كبيرا وضخما وهائلا في هذا الموضوع بالتحديد لكننا لانريد رؤيته إلى أن يصدمنا المرة بعد الأخرى بهاته الكوارث..
إلى متى؟ علم ذلك عند ربي. وفي الانتظار لاتستغربوا غدا أو بعد غد، إذا ما انتقل الصغار من الحمارة والقاصر المختلة والرضيع والرضيعة والعجوز ذات التسعين إلى مضاجعة أسفلت الشارع أي "الزفت".
من يدري؟ أصلا في عالم الجنس هذا المخيال هو أهم عضو يشتغل، والتجربة علمتنا أن خيال المغاربة لا حدود له، لذلك نحن في الانتظار وكفى، مع رجاء أخير هام وضروري: إحرسوا أكباش العيد جيدا هاته الأيام، فلاقبل لنا بفيديو جديد يظهر شخصا وهو يلعب معها لعبة العريس والعروسة قبل يوم النحر الأكبر…
إرحموا قدرتنا على التحمل، فإن لها حدودا وطبقوا نصيحة عادل إمام الشهيرة "كل واحد يخلي بالو من لغاليغو"، وقد أعذر من أنذر…