الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لعيد العرش خطاب الصراحة والوضوح. خطاب المفاهيم المستعملة بدقة لتشريح الواقع. لكن البعض ذهبت بهم الظنون مذهبا غير سليم في التأويل. وأي تأويل دون مخارج منطقية يبقى لغو الكلام.
لقد انتقد جلالة الملك محمد السادس الأحزاب السياسية، وحملها مسؤولية ما يقع في الريف، ووضعها أمام الأمر الواقع، باعتبارها أحزابا تقتنص فقط الفرص، فإذا كانت الأمور جيدة خرجت لتتبنى المنجزات وتنسبها لنفسها، وذلك قصد تقوية حضورها الانتخابي، وإذا كانت غير ذلك تختبئ وراء القصر الملكي مثلما حدث في أحداث الريف.
التأويل الذي لا يستقيم مع منطق الواقعية السياسية اعتبر ذلك تبخيسا للعمل السياسي وللأحزاب السياسية. هذا تأويل غير مبني على أسس منطقية. فجلالة الملك دستوريا هو رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء، بمعنى هو راعي الخيار الديمقراطي وحاميه من أي انتهاك، ولا يمكن أن تقوم قائمة للديمقراطية دون أحزاب سياسية.
الأحزاب السياسية ليست أحزاب ملائكة. وبالتالي فإن النقد الملكي ليس موجها للأحزاب بما هي كيانات ولكن بما هي سلوك سياسي وطريقة في ممارسة السياسة، باعتبار أن جلالة الملك هو المدافع عن الأحزاب السياسية لأنها جزء من العملية الديمقراطية، على الأقل في شقها الانتخابي. إذن هو انتقاد لسلوكات الأحزاب السياسية، التي لا تريد التقاط الإشارات القوية.
السنة الماضية أقدم جلالة الملك على تسمية أحد أبرز شوارع مدينة طنجة باسم ابنها والزعيم التاريخي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عبد الرحمن اليوسفي، قائد حكومة التناوب، وأثارت هذه التسمية حفيظة البعض خصوصا أبناء الحزب الإسلامي الذين اعتبروها مجرد "حجرة". لكن كانت لها دلالات عميقة.
اليوم قام جلالة الملك بإطلاق اسم الراحل امحمد بوستة على فوج الضباط الجدد. وهي رسالة رمزية كبيرة. امحمد بوستة زعيم حزب الاستقلال، ومناضل كبير من أجل استقلال المغرب ومن أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان ومن أجل استكمال وحدة التراب الوطني.
هذا يعني أن جلالة الملك ليس له موقف سلبي من الأحزاب السياسية ومن قادتها، بل هو داعم لها، ومما يعترف به قادة الحزب الإسلامي أن جلالة الملك وقف ضد دعاوى حل هذا الحزب بعد أحداث 16 ماي. جلالة الملك مع الأحزاب السياسية باعتبارها جزءًا من العملية الديمقراطية.
لكن رسالته هي أنه يعاتب هذه الأحزاب على سلوكاتها السياسية المريضة. يعاتب الأحزاب التي فضلت الصراع على المصالح حتى أوصلت منطقة بكاملها على حافة الانفجار. أحزاب تحاول تصفية حساباتها مع مؤسسات مهمتها حفظ الأمن والاستقرار. أحزاب لما انفجرت أحداث الحسيمة ونواحيها، منها من اختفى ودس رأسه في الرمال مثل النعامة، ومنهم من كان يحرض بالعلن عبر وسائل التواصل ومنهم من يحرض من تحت الطاولة، وهذا انكشف وأصبح معروفا.
المستهدف من الخطاب الملكي إذن هو السلوك السياسي وليس الأحزاب السياسية، التي وصلتها رسالة تقول إنه عليها أن تنظف بيوتها قبل أن تشرع في رفع المطالب الديمقراطية.