للخطاب الملكي مواصفات من بينها الاتساق، الذي يطبع مخرجاته، بين نقد لاذع للأحزاب السياسية، وهو نقد لا يمكن فهمه بأنه تبخيس لدور التنظيمات السياسية في الحياة العامة، باعتبار أنها من مقومات العملية الديمقراطية، ولكن اعتراف بانحرافها في اللحظة والزمان والمكان، ويمكن أن تكون أفضل، وبين اعتراف بدور المؤسسات التي تمثل النواة الصلبة للدولة.
ليس اعتباطا أن تأتي الإشادة بدور القوات العمومية بعد أن تم تحميل المسؤولين الإداريين والسياسيين المسؤولية عما حدث. للأحزاب السياسية، دون استثناء، دور فيما وقع بالحسيمة، ونواحيها، بحكم أنه ناتج عن تعطيل مشاريع مهمة كان بالإمكان أن تكون منتجة للثروة ومدرة للدخل، كما تتحمل المسؤولية بعد انفجار الأزمة.
أحزاب سياسية تحصل على دعم مهم سنويا من الدولة وبأشكال مختلفة لكنها غير قادرة على التعاطي مع الشعب والتفاعل مع الوقائع. فبدل أن تكون الأحزاب من الوسائط المهمة لتأطير الشعب، كان بعضها ينفخ في نار الفتنة بالسر والعلن. ثمانية أشهر والأحداث تجري بالحسيمة، فلماذا لم يقم أي واحد منها بالتواصل مع المواطنين؟ لماذا أطلقت بعض الأحزاب مسؤوليها للحديث للإعلام الأجنبي بنبرة استهجان لمؤسسات الدولة؟
بعد نقد الأحزاب ومحاولة نقضها تم الإشادة بالدور الذي قامت به القوات العمومية، التي وجدت نفسها وجها لوجه مع المحتجين، الذين استعملوا الحجارة لمهاجمتها. ما كان لهذه القوات أن تكون في ذلك المكان لو أن الأحزاب كانت في مكانها. ولكن الطبيعة كما يقول الفيزياء لا تقبل الفراغ. أي فراغ سيستغله المغرضون لتحقيق أهدافهم الدنيئة.
الخطاب الملكي جواب على حملة التشكيك في دور القوات العمومية، وخصوصا مؤسسة الأمن، التي تعرضت في الآونة الأخيرة، لحملة شعواء، حيث تم تسريب تقرير من المجلس الوطني لحقوق الإنسان يتهم عناصر الشرطة بممارسة التعذيب في حق معتقلي الحسيمة ونواحيها، كما تم تسريب شريط فيديو لناصر الزفزافي أحد قادة حراك الريف، وقيل إنه تم تصويره بمقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية.
كان الغرض هو الإساءة لواحدة من مؤسسات الدولة، التي تلعب دورا مهما في حماية الأمن. وجاء الخطاب الملكي ليحسم هذا الجدل، بل ليقول إن ما قلتموه هو خاطئ ومغرض وتم توظيفه لأغراض سياسية مقيتة، وهو انتصار على الكيان الموازي، الذي وضع نصب عينيه مؤسسات الدولة قصد إضعافها من أجل إضعاف الدولة لغرض التحكم فيها.
وقال جلالة الملك "من حق المغاربة، بل من واجبهم، أن يفتخروا بأمنهم، وهنا أقولها بدون تردد أو مركب نقص: إذا كان بعض العدميين لا يريدون الاعتراف بذلك، أو يرفضون قول الحقيقة، فهذا مشكل يخصهم وحدهم".
فإذا كان العدميون هم من لا يريدون قول الحقيقة فقط فماذا سنسمي من يساهم في تزوير الحقيقة وتوجيه اتهامات للأمن بأغراض سياسية؟ حتما ستتم محاسبة كل من تورط في شيء من خيانة الوطن، وستنال المحاسبة جميع المستويات وسنرى قريبا بداية تفكيك هذا الكيان.
Annahar almaghribiya