كُشف النقاب عن أنّ جهاز الموساد الإسرائيليّ (الاستخبارات الخارجيّة) أرسل في أوائل الستينيات من القرن الماضي خليةً كبيرةً بأمرٍ من القائد أيسر هارئيل، لتنفيذ أعمالٍ إرهابيّةٍ ضدّ اليهود، واتهام السلطات المغربيّة بذلك، لكي تسمح للحركة الصهيونيّة باستجلابهم إلى فلسطين المحتلّة، هذا ما جاء في بحثٍ أكاديميّ نشره المؤرخ الإسرائيليّ، د. يغآل بن نون، من جامعة بار إيلان.
ووفقًا للبحث، فإنّ رئيس الموساد قال إنّه من أجل تنفيذ العملية، يتحتّم على الموساد تقديم شهداء يهود، وبعد فترةٍ قصيرةٍ جدًا، قامت السلطات المغربيّة باعتقال شابين يهوديين مغربيين، من عملاء الموساد، وخلال التحقيق معهما توفيّا إثر التعذيب، كما أنّ شابًا ثالثًا قُتل في السجن نتيجة التعذيب.
ولفت الباحث إلى أنّ خطة رئيس الموساد نجحت، ذلك أنّ موت الثلاثة في السجن سبّبّ صدمةً كبيرةً، الأمر الذي ساهم إلى حدٍ كبير في إقناع الملك المغربيّ في ذلك الحين بالإسراع بالتوقيع على اتفاقٍ مع إسرائيل يُسمح بموجبه لليهود بالهجرة من المغرب إلى الدولة العبريّة حديثة العهد، على حدّ قول المؤرخ الإسرائيليّ، الذي ركّز في بحثه على قيام الموساد الإسرائيليّ بترك العملاء المحليين في المغرب ليقعوا في أيدي النظام الحاكم.
يُشار إلى أنّ عدد اليهود في ذلك الوقت كان حوالي 160 ألفًا، وكان السواد الأعظم منهم يتبوأ مناصب رفيعة في النظام الحاكم، ووصل أحدهم إلى منصب وزير لدى الملك المغربيّ، وعلى الرغم من ذلك، فقد قرر الموساد، بعد أنْ حصل على الضوء الأخضر، من المؤسسة السياسيّة، القيام بأعمال غير أخلاقيّة بهدف استجلاب اليهود من المغرب إلى إسرائيل.
وأوضح الباحث أنّ المغرب كان في تلك السنوات هدفًا رئيسيًا للموساد، ودرج رئيس الجهاز على زيارته سرًا أربع مرّات في السنة، مُشدّدًا على أنّ الخلية التي أرسلها الموساد جندّت شباب يهود للعمل في الجهاز، كما أنّ الجهاز قام بإحضارهم بشكلٍ سريٍّ إلى إسرائيل لإجراء تدريباتٍ عسكريّةٍ، شملت تدريبات على تنفيذ عمليات إرهابيّة، كما أنّهم التقوا في إسرائيل مع رئيس الوزراء آنذاك، دافيد بن غوريون، ومع وزير الأمن موشيه دايان. كما كشف المؤرخ عن أنّ الموساد قام باستئجار سفينة كبيرة، وبواسطتها هرّب اليهود من المغرب، ونجحت السفينة في مهمتها 13 مرّة.
أمّا في المرّة الـ14 أضاف الباحث فقد غرقت السفينة، الأمر الذي أدّى إلى وفاة طاقمها الإسبانيّ و44 يهوديًا مغربيًا كانوا على متنها، مُوضحًا أنّ الموساد أهمل إهمالاً شديداً، وقال: لا أزعم أنّ السفينة تمّ إغراقها عن سبق الإصرار والترصّد، ولكن الإهمال كان متعمدًا.
وتابع: راجعت البروتوكولات التي سبقت عملية السفينة للمرّة الـ14، فتبينّ لي أنّ وزيرة الخارجية غولدا مائير، قالت في جلسة الحكومة إنّه يتحتّم على إسرائيل أنْ تقوم بعملية تؤدّي إلى صدمة في المغرب، حتى ولو كلّف الأمر موت العديد من المواطنين اليهود العزّل، وبالتالي، أضاف، فإنّهم قاموا باستئجار سفينة غير صالحة. إنّهم لم يُغرقوها، ولكنّهم كانوا على علم وعلى دراية بأنّها ستغرق في البحر، على حدّ قوله.
وفعلاً، أوضح الباحث، أحدث غرق السفينة ضجة عالميّة وكتبت الصحف الغربيّة والعالميّة عن الحادث المأساويّ، مشدّدّة في تقاريرها على أنّ اليهود الذين أرادوا الهرب من البلد العربيّ الإسلاميّ ماتوا في عرض البحر، وهو الأمر الذي أدّى إلى تأليب الرأي العام العالميّ ضدّ المغرب.
وتابع قائلاً إنّ الموساد استغل الحادث المأساويّ لحثّ اليهود على مغادرة المغرب والهجرة إلى إسرائيل، وقام العملاء في المغرب بنشر بيانٍ باسم الجالية اليهوديّة في المملكة عبّرت فيه عن رفضها لهذه الأعمال، وتابعت أنّه بعد ألفي عام هناك فرصة ذهبيّة لعودة اليهود إلى أرض الآباء والأجداد، وتابع البيان: إننّا نعرف أنّ الإسلام يُعارض معاداة الساميّة، ولكن هناك أناس في المغرب، الذين قرروا قتل اليهود بأيّ ثمنٍ، ونحن من جهتنا نعي بأنّ مصير هؤلاء سيكون مثل مصير هتلر والنازيّ آيخمان، جاء في البيان المفبرك، وقام الموساد بتوزيع عشرات آلاف النسخ من البيان الاستفزازيّ لليهود وللمسلمين على حدٍ سواء، كما قام عملاء الموساد بتعليقه على حيطان المنازل والمحلات التجاريّة.
وأضاف البحث أنّه بعد توزيع البيان، توقّع الموساد بأنْ تقوم الشرطة المغربيّة بردٍ قاسٍ على الذين قاموا بنشره، ومع ذلك أكّد على أنّ الموساد تحايل على اليهود المغاربة، وقال لهم لا تتركوا بيوتكم، نحن نتحكّم بالوضع، وهذا الأمر أدّى إلى مقتل ثلاثة يهود مغاربة، ضُبطوا وهم يُعلقون البيان.
وعن هذا التصرف قال الباحث الإسرائيليّ: الهدف من وراء ذلك كان أنْ يتّم اعتقال أكبر عددٍ من اليهود لكي يُحدث صدمة في العالم من بطش النظام في المملكة، الأمر الذي يؤدّي إلى حملة تعاطف دوليّة مع اليهود، على حدّ قوله، واختتم بأنّ الموساد رفض التعقيب على الأسئلة التي وجهها له.