زكرياء لعروسي.
لا يمكن فهم النظام السياسي المغربي دون الرجوع إلى ثقله التاريخي وتراكماته السياسية، وهو الذي اكتسب مشروعيته وشرعيته من استمراريته وصموده، وفق تعاقد ثابت وعهد رصين، ومن حضوره الفعال في كل المنعطفات والتحولات التي عرفها المغرب في مختلف الحقب التاريخية. فالمغرب من الدول القلائل التي لم تعرف قطيعة مع التاريخ، بجذورها العميقة الممتدة إلى ما قبل القرن الثامن ميلادي.
وما يميز تاريخ الدولة المغربية، هو ارتكازها على أساس الشرعية الشريفية، أي الانتساب للشجرة النبوية، عن طريق مؤسسة البيعة التي بموجبها يتم تولية السلطان عن طريق أهل الحل والعقد، على كافة عامة المسلمين وعلى مؤسسة المخزن السلطاني.
وهكذا، فإن السلطان في التاريخ السياسي المغربي هو الإمام، الذي يعمل على حراسة الدين والسهر على الشؤون الدنيوية.
وبتلكم الحراسة، تمكن النموذج الإسلامي المغربي، من التصدي للفكر الظلامي الجهادي، الذي أساء فهم الدين، وتاجر به، واختزله في اللحية والقميص القصير وقتل المسلمين (مع الاعتقاد المطلق بأن الله لم يهد سواهم، وتكفير كل من اختلف أو ناقش أو نصح)، فاستند المغرب على قيم التسامح والمحبة والدعوة إلى الله بالسلوك، وبالتي هي أحسن، تحت إشراف إمارة المؤمنين لما تستمده من شرعية دينية، تحفظ السيادة المذهبية والعقدية والسلوكية، فتبنى المغرب الفقه المالكي وعقد الأشعري، وطريقة الجنيد السالك، وفق التصوف السني الذي يستمد سلوكه من تعاليم الشريعة الإسلامية.. وهو مذهب العديد من الزوايا الصوفية بالمغرب.
ومدخل نجاح التجربة هو التصدي الحازم لمجموعة من الظواهر الدخيلة على المجتمع المغربي، وعلى الإسلام، فهي من توقد نيران الفتن، وتشجع على الأعمال التخريبية وقتل الأبرياء، ممن يشهدون لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة.
لقد نجح المغرب في إبراز نموذجه الديني للعالم، مما دفع عددا من دول الجوار إلى التأسي به، وجعل الأمن الروحي مدخلا أساسيا للرقي التنموي والتوازن الاجتماعي، مما مكن المملكة المغربية من تدبير فترات عصيبة، دمرت ظروفها المشابهة اقتصاديات دول قوية، وشردت أعرق عائلاتها، نسأل الله سلامة البدن والأهل.
ويرتكز الأمن الروحي للمغاربة على مجموعة من العناصر الحسية والمعنوية، بهدف التصدي للانحرافات الضالة، والمعتقدات الفاسدة، والتأويلات الخاطئة، الناتجة عن التطرف و الغلو والتشدد، وما أفرزته من نظرة جديدة للدين، من قبيل "الإسلاموفوبيا"، الداعي إلى التحامل والكراهية والخوف من الإسلام والمسلمين.
تتسلح المملكة المغربية بمذهب فقهي يعمل عمل أهل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطرق صوفية للتربية السلوكية وتزكية النفوس والاجتماع على الله، ترسيخا لقيم المحبة والتسامح وحسن الخلق، الذي بعث لأجله نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، فحرص على ذلك أحفاده الذين تعاقبوا على حكم المملكة المغربية، ليتشبث المغاربة بإمارة المؤمنين، الضامنة لوحدتهم الدينية، والساهرة على أمنهم الروحي من كل خطر يهدده.. وكلهم من رسول الله ملتمس.