رمضان مصباح الادريسي
يا شباب الأسر:
لا أجد في ما أقرأ، وما أسمع، وما أرى –وطنيا ودوليا-اعتراضا على نضالكم من أجل الكرامة الريفية المستحقة تاريخيا ودستوريا، ثم بعد الكرامة، وأؤكد على هذه البعد، لا أجد أي اعتراض على ملفكم المطلبي، الاقتصادي والاجتماعي، بكل تفاصيله المعروفة.
وأنتم تعلمون، كما يعلم الجميع، أن تهمة الانفصال التي جاهرت بها الأغلبية الحكومية-بكل تهافت وقصر نظر-سقطت سقوطا مدويا، وإن ظلت كراسي أصحابها دافئة بمؤخراتهم. ولا نعلم ما تحبل به الأيام.
ولم يعد خافيا على الداخل والخارج أن ملك البلاد، الضامن لاستقرارها وأمنها، انضم إلى حراك الريف، دون مواربة، حينما عبّر رسميا، وفي مجلس وزاري، عن غضبه وتذمره من تعطيل مشاريع "منارة المتوسط".
ولا يخفى حضور نضالكم، وعلى مدى شهور، في هذا الغضب الذي غدا مؤسسيا، وسيكون له ما بعده. ويتوقع المحللون والمتتبعون أن تصدر قرارات ملكية مزلزلة لمراكز ومصير كل المسؤولين الذين "تآمروا" على مشاريع الملك في الحسيمة، كما حصل سابقا مع بعض اشتغالات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، في كل ربوع الوطن، خصوصا المناطق الكالحة فقرا وتهميشا.
ويتوقع كل من تضامن معكم في غضبكم، المنتج للغضب الملكي والمواطني، ألا ينحصر الأمر في استبدال مسؤول بآخر، والبت في نوازل الريف فقط، دون تقويم النهج السياسي التدبيري الذي تُسير به البلاد، ما دامت العديد من الظواهر والمؤشرات تبرهن على فشله، وعدم كفاءته إلا في تعقيد المشاكل وتخصيبها.
ولا أقوى ظهورا، ضمن هذه الظواهر، من استفحال أمر الفساد العام، المشترك بين الدولة والمواطنين، حتى غدا مواطنا يتمتع بكل حقوق المواطنة، ويعلي رايته، أكثر من أي مواطنة ومواطن. بل غدا مؤسسة عابرة لأغلب مؤسسات الدولة، لها مرتادوها وحماتها.
وما تعطل المشاريع الملكية، ذات البعد التنموي، عبر الوطن، إلا دليل على قوة هذه المؤسسة المخربة لكل المؤسسات.
ونعلم جميعا وجود تباين، وأحيانا تناقض بين التصريحات الحكومية الأخيرة، بخصوص النزول إلى الميدان، وتأسيس الثقة بين المواطن والإدارة، والاشتغال أساسا على ورش العزة والكرامة، وما تمارسه القوة العمومية – مأمورة-من تنكيل لفظي ومادي لا يوقر أحدا، ولو مسنا أو مسنة، ولو حقوقيا وطنيا، ودوليا.
لكن ما عسانا نقول؟ هل نناقض قولنا بالفساد العام، ونحاكم القوة العمومية – فقط-على كونها قاسية تنكيلا، وقاسية لفظا؟
وفي ماذا يفيدنا تسامحها وعطفها، وحتى الورود التي نوزعها، إذا كانت لوبيات الفساد تضرب الضربات البتراء القاضية التي لا تسيل دما؟ تضرب أساسيات الدستور، ومبادئ الديمقراطية، وكل الترسانة الحقوقية الوطنية والعالمية العالمية.
إن الذين نكلوا بمشاريع الحسيمة، وقبلها المبادرة الوطنية للتنمية، قطعوا رؤوس المواطنين، وهم يربتون عليها حنوا وعطفا كعطف التماسيح.
أمع كل هذا تضربون عن الطعام؟
وهل فعلها الخطابي، وهو وساكنة الريف قاب موتين إما بالرصاص أو الغازات السامة، حتى تفعلوها؟
وهل فعلها أب الوطنية المرحوم محمد الخامس-في منفاه-وهو بين عرش مسلوب، ووطن مقهور، وأسرة ملكية ألقى بها المستعمر إلى المجهول؟
هل فضحتم التهميش والفساد في الحسيمة بأجساد فتية وقوية وحناجر صادحة، أم بمعنويات منهارة ودبيب موت يسري في الفكر والعضل؟
هل ستنتصرون لقضايا الريف والوطن بالخروج من الكهف أم بالدخول إليه؟
هل كنتم تتوقعون دربا للنضال خال من الوقوف تحت الشمس، ولا ظل ولا نسمة؟
ألم تقرؤوا "رجال في الشمس" للمرحوم غسان كنفاني؟
هل تعتقدون أن إهلاك الذات سيفيدكم في نضالكم، وفي معركتكم القانونية، من أجل براءة مستحقة. براءة ستكون منارة في هذا الوطن، كما البراءات التي استدعت الانصاف والمصالحة، كما تعلمون.
هل تفشل قضية المحامي الأول فيها هو ملك البلاد؟ أي قاض سيدينكم والملك يشهد بأنكم الشباب الملكي الحقيقي الذي كشف له المستور والمضمر في تصريحات المسؤولين وهم يطمئنونه على انطلاق الأشغال في الأوراش؟
عند الصباح يحمد القوم السرى:
أنتم الآن في جامعة "عكاشة" للتكوين السياسي من أجل حسن تدبير الوطن كله، وليس الريف فقط.
أنتم منتخبو الغد القريب، وتنتظركم مسؤوليات جسام، إذا كنتم تقدرون فعلا حجم ما يتطلبه الريف من عمل مخلص ودؤوب.
لا عليكم، فأجسادكم مصونة في المخيال الوطني، وأمهاتكم وأخواتكم معززات مكرمات، مهما قال سجانوكم.
لا عليكم فأنتم اليوم أسرى، كما القوة العمومية، كلاكما أسير لدى الآخر.
وهل كره رجال الشرطة، يوم نفير البحر، أن يخلعوا عنهم الأثقال، ويرتموا في البحر سابحين، ككل المصطافين؟
هي نوازل من الحاضر والتاريخ، ومن المحال أن تحل بالمقاربة الأمنية قصيرة النفس.
الكل ينتظر المقاربة الناصحة والنجلاء.
الكل ينتظركم، خارج أسوار السجون، لأنكم فعلا خارجها، في قلوب أمهاتكم وآبائكم، وعقولنا وأمانينا، هنا وعبر العالم كله.
أوقفوا إضرابكم عن الطعام رجاء، لأنكم تصنعون به إضراب الوطن كله، وإن جازت لكم القسوة على نفوسكم، فهل تجوز لكم في حق المواطنين كلهم؟
ثقوا ألا أحد يسعده هلاككم أكثر من الذين فضحتموهم، وكشفتموهم، واحدا واحدا.
فهل أنتم حرب علينا أم عليهم؟
لا أدري هل ستصلكم رسالتي هذه أم لا، لكنها حتما ستدخل جغرافية التاريخ، وتاريخه.