انطلق حراك الريف عقب وفاة محسن فكري بائع السمك، ورفع مطالب اجتماعية، وكان بنكيران، رئيس الحكومة المعفى، منهمكا في صياغة أغلبيته، وبدأ المواطنون يخرجون للشارع، ومرت أكثر من خمسة أشهر أو ستة دون أن تعرف حوادث، إلى يوم 27 مارس حيث قام مجموعة من المحتجين بإمزورن بإحراق مبنى للأمن مما اضطر عناصر الشرطة للقفز من الطابق الثاني.
الحراك السلمي لم يكن سلميا مائة بالمائة. دخل في محور "اللعبة" التي يديرها الكيان الموازي، والتقت مصالح كثير من المغرضين من أجل ضرب الاستقرار. لا نؤمن بنظرية المؤامرة لكن نصر على وجود "اللعبة"، والتي تدار من خلف الستار في أحيان كثيرة وتخرج للعلن في أحيان أخرى كما يحصل اليوم، حيث لم يعد أمام أصحابها غير الإعلان عن أنفسهم، والدخول إلى معسكر أعداء المؤسسات التي تتكفل بحفظ الأمن.
ولكن عند تتبع تاريخ الكيان الموازي في تعامله مع ما يجري في الريف يتبين أنه هو أول من أطلق الإشاعة، عندما نشر إشاعة خضوع منطقة الحسيمة لظهير العسكرة، وهو ظهير صدر بالفعل سنة 1957 وتم إلغاؤه بظهير الأقاليم سنة 1958، ولا يوجد أي مظهر من مظاهر العسكرة التي أطلقها الجزء السياسي من الكيان، مما دفع رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى نشر صور لقوات حفظ النظام باعتبارها "عسكرة".
للأسف الشديد هذه الإشاعة استطاعت أن تجد لها مكانا وقد انتشرت بشكل كبير، بل إن أهم مطلب عند أصحاب الحراك هو رفع العسكرة وكأنها موجودة فعلا. وبدأت ترددها خلفه الصحف ووسائل الإعلام، وعندما صدر توضيح من مؤسسات الدولة المعنية كانت الإشاعة قد أكلت الأرض كاملة.
ولم يخل الملف المطلبي لحراك الريف من الإشاعة أيضا. فقد تضمن مطلبا مركزيا يتعلق بمركز للأنكولوجيا باعتبار أن منطقة الحسيمة تعرف أكبر نسبة لأمراض السرطان، نظرا لاستعمال قوات الاستعمار الإسباني للغازات في حربها ضد المقاومة المغربية بالريف. وتبين أن المركز موجود ويشتغل بشكل عادي كل ما هنالك أنه كان في حاجة إلى تطوير أدائه.
وتسارعت وتيرة الإشاعات حيث ما إن ننتهي من واحدة حتى تصدر أخرى، وما إن تم تسريب رسالة منسوبة للزفزافي والتي كذبها، حتى خرجت إشاعات عن سيليا خرج والدها ليكذبها جملة وتفصيلا، وتم إصدار بيان للمعتقلين يقول إنهم دخلوا في إضراب عن الطعام، فظهر أن البيان منسوب لهم، ولم يجتمعوا في أي مكان ليتفقوا على مضامينه والتوقيع عليه، وأخيرا صدرت إشاعة حقن الزفزافي بحقنة غريبة جعلته يتضور ألما، وهي إشاعة كافية لقلب الواقع، في وقت تبحث المؤسسات المعنية عن حلول تحد من حدة التوتر وتعيد الأوضاع إلى سيرتها الأولى.
للأسف الشديد يقع في بلدان الجوار وغيرها أكثر مما يقع في المغرب مضاعفا بشكل كبير لكنه لا يتسرب، ولا نعرف لماذا يسعى بعض المغاربة إلى خراب بيوتهم بأيديهم. لأن ما يقتل الأمن والاستقرار هو الإشاعة. وهي اليوم من أفتك الأسلحة والحمد لله في بلدنا يتم التعامل معها بحنكة ورد خطرها وكيدها.