سكت حزب العدالة والتنمية لمدة تسعة أشهر عن أحداث الريف، وأطلق بعض قادته للتعبير بحرية، من بينهم واحد أصبح "ساكنا" في قناة فرانس 24 المعادية للمغرب، مرة تقدمه بصفة الكاتب الإقليمي للحزب بالحسيمة ومرة بصفة محلل سياسي ومرة بصفة خبير، وهو يقول كلاما واحدا مفاده أن الدولة تعتدي على المواطنين بالحسيمة، بينما وزارة الداخلية، المكلفة بالحفاظ على النظام العام، جزء لا يتجزأ من الحكومة التي يقودها الحزب الإسلامي الذي ينتمي إليه.
وكما يقال سكت رجبا ونطق عجبا. بعد هذا السكوت المريب والغريب والملتبس أصدر الحزب بيانا عقب الدورة الاستثنائية لمجلسه الوطني، واعتبر أن ما يجري في الحسيمة ناتج عن "التحكم"، اللفظة الوثيرة على لسان عبد الإله بنكيران، الزعيم الطامح في ولاية ثالثة بعد ولايتين وسنة تمديد، مؤكدا على أن هيمنة حزب سياسي وما أسماه التدخل في الانتخابات هو السبب فيما يقع الآن.
نشير إلى أن الحزب الإسلامي لم يشكك في نتائج الانتخابات عند الإعلان عنها، لأنه يعرف أنه لو فعل ذلك لكان ضده، لأنه سيتم أيضا التشكيك في النتيجة التي حصل عليها، لكن اليوم بعد أن استقرت له رئاسة الحكومة وعدد من الوزارات والمديريات والمسؤوليات والدواوين وخزائن البلاد، لم يعد له مانع في التشكيك في مصداقيتها.
هذا القوس الصغير له علاقة بما نحن بصدده ألا وهو التسطيح الذي لجأ إليه الحزب الإسلامي في تفسير الأحداث. أن يصدر التسطيح عن الشارع فذلك ديدنه لكن أن يصدر عمن يفترض فيه أن يوجه الشارع فهذا يعني أننا وصلنا الدرجة تحت الصفر من التفاهة السياسية.
قضية حراك الريف بدأت اجتماعية، لكن "اللعب" الموازي لها جعل منها قضية كثيرة التعقيد والتشبيك ويستحيل فهمها من خلال مقاربة ساذجة لحزب يقود الحكومة وقادها لمدة خمس سنوات، بمعنى استفاد كثيرا من وجوده في المؤسسات ويزعم أنه يتوفر على برنامج متكامل.
لا نعرف كيف ينتج الحزب الإسلامي برنامجه وهو لا يعرف قراءة الواقع ويعتمد على مقاربة واحدة مبنية على ضرب الخصوم السياسيين، الذين لا نعفيهم نحن من المسؤولية، لكن لا يمكن بناء تصور واضح عن أي قضية إذا كان التشخيص بسيطا وساذجا وتسطيحيا.
لا يمكن بناء برنامج سياسي على الأوهام والخصومات السياسية، لأن البرنامج هو جواب على أسئلة الواقع. عندما يقول الحزب الإسلامي إن التحكم في الانتخابات هو السبب فيما يحدث اليوم بالحسيمة. فهل هذا يعني أن الانتخابات وفق تصور البيجيدي وحدها كفيلة بمنع ذلك؟ فلماذا يخرج المواطنون بمدينة القنيطرة مثلا للاحتجاج على أوضاعهم الاجتماعية ويؤسسون تنسيقية لذلك مع العلم أن الذي يقود المجلس لولاية ثانية هو العدالة والتنمية ويتوفر على برلمانيين؟ ولتذكير الحزب التسطيحي ألم يكن للحكومة السابقة دور فيما يحصل الآن؟ ألم تتخذ إجراءات ذات طابع خطير أثرت على قوت المواطن وعلى الاستثمار والشغل؟