كثيرون هم الذين يهلّلون لرئيس الحكومة الجديد، ويثْنون عليه ويرون، بسبب الغِشاوة التي على أبصارهم، أنه يختلف عن سلفه [في الكلام فقط] فأعجبتْهم أقوالُه، وراقتْهم أمانيه، وتناسوا ما اقترحه كحل مع شراذم الأحزاب الموالية له عند أحداث [الحسيمة] وهو الهراوة، وذاك دليل على أن [العثماني] ليس له ما يعطيه لهذا الشعب غير السّير على نهْج سلفه، وقد أكد ذلك، واعتبر ما أنجزتْه حكومةُ الخيبات والانكسارات إصلاحا سيواصله، ولعل ذلك هو ما جعله يستوْزر الخائبين، الذين شاركوا في حكومة الفشل، رغْم ما صدر منهم من أعمال فاسدة، وزلاّت ألسنة، وهو ما لم يحدثْ يوما مثله في التاريخ، وسوف نستعرض الأخطاء، وزلاّت اللسان التي صدرت عن وزراء، ومع ذلك احتفظوا بالمناصب والمكاسب..
أنا كمواطن بسيط، يعيش هموم وطنه، وضاق ذرْعا بأقوال وزراء منافقين، وبرلمانيين انتهازيين، ومستشارين زائدين عن الحاجة، لا يمكنني أن أُلدَغ من جُحْر مرتين، كما حذّر من ذلك إمامُ المرسلين عليه الصلاة والسلام.. لقد خبرتُ عبر السنين، أماني كانوا يجودون بها علينا كذبًا بهدف التضليل والتسكين، لكنْ ظهر خداعُهم في كل مجال، وحيثما وطأتْ أقدامُهم أرضا، ما نبت ربيعٌ ولا يَنِعت أزهار، لأنّ طالعَهم نحْس، وصدق الإمام [عليّ] كرّم الله وجهه حين قال: [الأماني تخدعك، وعند الحقائق تدعُك..] وهو ما تأكد في [الحسيمة] بالدليل القاطع، إلى درجة أن لا أحد صار يثق بهم عبر ربوع الوطن، رغم كثرة كلامهم، وكذبهم، وهو ما عناه الإمام [عليّ] كذلك حين قال: [الكلام كالدواء، قليلُه نافِع، وكثيره قاتِل؛ أوَلمْ تقْتُلْنا كثرةُ كلام [بنكيران] وشطحاتُه؟!
والآن، يريدون منا أن نحمد [العثماني]، ونشهد له زورا، بدلا من أن نشهد عليه؛ قال تعالى: [لا تحسبنّ الذين يفرحون بما أتوا ويحبّون أن يُحْمدُوا بما لم يفعلوا، فلا تحسبنّهم بمفازة من العذاب] آل عمران؛ الآية: 188..
نعم! يحبون أن يُحْمدوا في الصحف، وعلى الألسن بما لم يفعلوا؛ فماذا فعل [العثماني] لكي يُحْمَد؟ هل ألغى ولو قرارًا واحدًا من قرارات [بنكيران] الجائرة؟ هل أعاد النظر في تقاعُد الموظّفين، وردّ لهم قوتَهم، وآمالَهم، قبل أن يتحدث عن إصلاح الإدارة مثلا؟ هل خفّض من أثمنة المحروقات المنخفضة أصلا في العالم بأسره، رحمةً بضعف القوّة الشرائية للمواطن؟ هل أعاد صندوق المقاصّة إلى سابق عهده؟ الذي قيل عنه إن الاستعمار هو الذي أنشأه، وكأن الاستعمار البغيض كان أرحم من ظلْم الحكومة الأكيد؟ هل أرغم البرلمانيين على ردّ مبالغ تقاضوها وهم في بيوتهم طيلة سبعة أشهر، وهو مالٌ أكلوه سحتًا، فيما المضرب دفاعا عن حقوقه المشروعة تُقتَطع من راتبه أيامُ الإضراب، ثم يهدَّد وكأنه عبدٌ مملوك؟ هل أدان رئيسَ برلمان كان يوزّع [les joujoux] أي الهواتف النقالة الغالية على صبيان البرلمان في وقت كانت فيه نيران [الحسيمة] مشتعلة؟ هل رأى [العثماني] صاحب الخلفية الدينية، أن المغرب لا يحتاج إلى فريق حكومي من [39] وزيرًا ووزيرة، فيما [الصين] العظيمة لها فقط [13] وزيرًا؟
هل رفض [العثماني] كل وزير أو وزيرة كانت لهم أخطاء سياسية، أو زلاّت لسانية، مثْل مَن ادّعت أن تقاعُد البرلمانيين والوزراء، هو مجرد [جوج فرنك]، وهذا طعْن في الدولة، ومع ذلك استُوزرت وكأنها كوفئَت على زلّتها.. أو تلك التي تحدثت مع [فرانس 24]، يوم عيد المسيرة الخضراء، وبُعَيد الخطاب الملكي السامي، وفوق رأسها خريطة المغرب بدون صحرائه المسترجعة، ومع ذلك عادت مجدّدا إلى الحكومة.. ثم ما بالك بذاك الذي اتهم القصر الملكي بالتحكم، ونُشِر في حقه بلاغٌ يسفّه أقوالَه، ومع ذلك احتفظ بمنصبه.. ثم ماذا عن زعيم حزب كان يطالب بملكية برلمانية، يسود فيها الملكُ ولا يحكم، فصار رقمًا صعبًا وضروريًا في تشكيل الحكومة، وحزبُه وهن عظمُه، ورشي عودُه، وهجره أتباعُه؟ فهل كان [للعثماني] موقفٌ وطني صارم من كل هذا؟ أبدا، لم ولن يحدث! لماذا؟ لأن حزبه [الإخواني] كانت له مواقف مخزية، جسّدها [بنكيران]، منها رفْعُه لشعار [رابْعة]، ومساندته [للنصرة]، واعترافه بأنه لا يحتاج [لرضا الملك]، ومحاولته تخريب العلاقات المغربية الروسية.. فيا حسرةً على بلدي!