طفت على أكثر من مكتب و إدارة، لكن من سوء حظي وجدت فيها:
- زحام قاتل في الأوتوبيسات.
- كاتبات يهاتفن زميلاتهن من الإدارة، ليلمنهن على عدم استدعائهن لحفل المساء في البارحة.
وأنا أنتظر...!!
- أخريات تركن مكاتبهن، وذهبن ليناقشن نسبة النجاح في الباكالوريا مع زميلاتهن في مكاتب أخرى، علما أنهن سيستخلصن مني رسوما ستدخل لخزينة الدولة.
وأنا أنتظر...!!
- بعضهن يوصين في توَدُّد باعة متنقلين، ليوصلون لهن ماركات“سينيي“ للتجميل إلى المكتب، وأربحاهن مضمونة!!
وأنا أنتظر...!!
- سُوّاق يتركون اليمين، وينحازون عمدا إلى الشمال،"وآرا ما عندك يا كلاكسونات"!!
- سماسرة(أعرفهم) يملئون ممرات الإدارات ذهابا وإيابا، يوزعون الابتسامات والسلام يمينا وشمالا على الموظفين في المكاتب، ويوشوشون لزبائنهم أو لنقل“ضحاياهم“، وأمام ناظري في الركن الأقصى مـُلصق مكتوب عليه بالعربية الفصحى:“لنحارب جميعا داء الرشوة.“!
وحتى نكون مـُنصفين أكثر، نقول أنها حالات عقوق إدارية لا تقتصر على مدينة مغربية معينة أو جهة محددة، لكنها حالات تعاني منها أغلب البلدان المتخلفة ومنها بلداننا العربية، و حتى لا نجلد أنفسنا أكثر من اللازم أن نقول ولو من باب المجاز: “البلدان النامية“ ومنها وطننا الحبيب المغرب!.
بعض الموظفات والموظفين في إداراتنا المغربية(سامحهم الله)، إما أنهم“يستبلدوننا“ أو “يستحْمـِرون“ أنفسهم، فيقولون لك من باب “الاستحمار“ الإداري مثلا:
- أرسلناها للرباط أو من باب الصواب و“الزواق“: “غير تهنـَّا أسيدي، الورقة مشات للرباط، شي يومين ورجع ليها“، (وهم يقصدون هنا الوثيقة طبعا)، وينسون عن جهل مزدوج أو يتناسون عن مكر مفضوح أننا في عصر الأنترنيت الذي تتجاوز سرعته سرعة الضوء عشرات المرات، يمكن أن تسافر “للميريكان“ وتوقع هناك ثم ترجع قبل أن يرتد إليك طرفك، وأن العالم قرية صغيرة جدا، لضيقها لم تعد تتسع حتى للحاسوب نفسه، ويتبين لك فيما بعد ويا للغرابة، أنهم (hors zone) ، ولا علم لهم ولهن بشيء اسمه الجهوية الموسعة أو المتقدمة أو حتى، شي حاجة سميتها اللامركزية، وأن مدينة الرباط العاصمة الإدارية المسكينة التي يلصقون بها كل تخاذلهم وتكاسلهم في أداء مهامهم(مْصَّاب تـْسَالي) غير لمشاكلها الاجتماعية، ولبنياتها التحية التي تصاب بشلل تام مع كل موسم شتوي مطير في غياب “علال القادوس“، وللقضايا الكبرى والمصيرية التي تهم المصلحة العليا للبلاد والعباد، ولم يعد لها وقت لمثل هذه “التفاهات“ الصغيرة مثل وثيقة إدارية، خصوصا مع ما يشهده شارعها الرئيسي “محمد الخامس“ من احتجاجات شهرية وأسبوعية أو حتى يومية أحيانا مثل هذا صيف 2017 الساخن جدا.
لن تشفع لك محفظتك عند موظفة متعجرفة ولا شَنـَبُك المائل للبياض، أو رواية “عزازيل“ التي تحملها بين يديك كي تستعين بقراءتها كلما حاصرك الانتظار الممل في ردهات المكاتب، فتشعر أنك لا تختلف في شيء عن بطلها“هيبا“ التائه وراء السراب، بحثا عن الحقيقة الضائعة بين ردهات المكاتب والإدارات العمومية، حالما أنت الآخر بإداريين زُهـَّاد في خدمة البلاد والعباد، فتفكر جديا في رميها والتخلص من شرور “عزازيل“ الشيطان الذي يتبعك كظلك في ردهات الإدارات، وترمي بآخر رُقوق يوسف زيدان في أقرب صندوق للقمامة إليك!.
ستجدُ- كَ أميًّا أيضا لا تفقه شيئا في علم هو ليس لك، فتضطر أن تسأل عن أبسط الأشياء مثلك مثل أي امرأة أمية طاعنة في السن، وأنه يلزمك “معرفة“ أخرى غير التي اكتسبت في مسارك الدراسي الطويل. سترى بأم عينيك أمامك ووراءك أناس يعرفون الطريق السهل إلى سراديب الإدارات، تحت آباطهم ملفات تتم تسويتها“حْسِّي مْسّي“ في رمش العين، فيظهرون عند دخولهم لكنك لن تراهم في خروجهم، وقد قضوا مصالحهم وهم مبتسمين ملوحين بأياديهم التي تحمل ساعات ثمينة.
أخيرا، لا يسعني هنا إلا أن أنحني انحناءة صغيرة، و رفع القبعة للبعض الآخر، من الجنسين، ممن يستحقون الاحترام والتقدير طبعا.