يحاول البعض تصوير المغرب على أنه تراجع تماما عن تبني حقوق الإنسان كنهج ثابت. يرون ببومة هيجل. ويستعيرون عيونها. ومن لا يفتح عينيه إلا بالليل لا يرى إلا السواد. ولهذا لا ترى هذه الأعين سوى تفريق مظاهرة هنا وفض وقفة هناك دون ذكر نسبة ذلك من حجم الاحتجاجات التي يعرفها المغرب.
تبقى الاحتجاجات الاجتماعية والخروج للشارع أرقى تعبير عن الديمقراطية. فناهيك عن اندراجه تحت عنوان حرية التعبير، فهو يعتبر من أدوات المراقبة الحديثة، حيث خروج الناس إلى الشارع للاحتجاج ضد المجالس هو نوع من الرقابة عليها، وخروج الناس للاحتجاج ضد مشاكل النقل هو نوع من الرقابة وهكذا دواليك، ولهذا فالاحتجاجات دليل عافية الديمقراطية.
أحيانا يتم الإفراط أو التفريط. أحيانا يتعامل بعض رجال السلطة بنوع من التشدد وهنا نتحدث عن حالات نادرة. كما يتعامل المحتجون باستهانة بمؤسسات الدولة في أحيان أخرى.
نموذج الاحتجاج اليوم هو حراك الحسيمة. طوال ثمانية أشهر عرفت المدينة ونواحيها والمدن المحيطة أشكالا احتجاجية متعددة، وظلت القوات العمومية تراقب الوضع دون أن تتدخل، إلى أن وقعت الحادثة المأساوية بإمزورن حيث عمد مجموعة من المحتجين إلى إحراق سيارات الشرطة وإحراق العمارة التي يقطن بها عناصر الأمن، مما اضطرهم للقفز من الطابق الثاني وتعرضوا لكسور خطيرة.
الاحتجاج مشروع وقانوني، لكن لا يمكن التعامل مع القوانين بشكل ميكانيكي، ويمكن أخذ العبرة من مدينة هامبورغ الألمانية، التي انعقدت بها قمة العشرين، وجاء المحتجون من كل بلاد الغرب الديمقراطية، ولم تقدم لهم السلطات الحليب والتمر أو كؤوس النبيذ ولكن طاردتهم بالغازات المسيلة للدموع وخراطيم المياه ورذاذ الفلفل الحارق وكل الوسائل الممكنة لتفريقهم. إنهم لا يفهمون الديمقراطية والحرية والحقوق بشكل ميكانيكي ولكن يتعاطون مع الواقع ومع الضرورات الأمنية.
الذين يرون في المغرب تفريق وقفة هنا وفض احتجاج هناك لا يذكرون نسبة ذلك من مجموع الاحتجاجات التي يعرفها المغرب سنويا. لا يريدون القول إن المغرب يعرف حوالي 13 ألف حركة احتجاجية سنويا.
13 ألف حركة احتجاجية سنويا. ما يعادل 36 حركة احتجاجية يوميا. نريد أن نعرف من أصحاب الديمقراطية الميكانيكية كم حركة يتم منعها يوميا من هذه الست والثلاثين؟ ما هي نسبتها؟ الحركات التي تم منعها لدواعٍ أمنية محسوبة ومعروفة ويمكن الحديث عنها دون الرجوع إلى الوثائق.
وأكثر من ذلك ما هي طريقة المنع؟ وكم من محتج تعرض لعنف زائد؟ وكم استقبلت المستشفيات منهم؟ قد يكون عدد عناصر الأمن الذين دخلوا المستشفيات أكثر بكثير من عدد المحتجين، بما يعني أن الأمر لم يتعد حدود الطبيعة والقانون، وحتى إذا وقعت حالات تجاوز فإن المحاكم تنظر فيها.
بومة هيجل هي التي تتحكم في رؤية الحقوقيين لواقع الاحتجاج في المغرب حيث لا تتعاطى معه بلغة الأرقام وإنما بلغة التآمر على الوطن.