لا يمكن التعاطي مع الوضع الاجتماعي والنفسي والوظيفي لرجل أمن مثلما يتم التعاطي مع باقي الوظائف، وهذا ما لم يفهمه ضابط سابق قضى 41 سنة من العمل في تصريح لأحد المواقع الإلكترونية، حيث اختلطت عليه المفاهيم وربما أسقط حالته وهي شبيهة بحالات أخرى لكن لا يمكن تعميمها بتاتا.
في مقال يتساءل عن موت الفجأة تم الاستناد إلى ضابط سابق الذي قال "إن نظام العمل بسلك الأمن بالمملكة "يتسم بصعوبات عدة، من بينها ما هو مرتبط بساعات العمل وظروفه، ومنها ما يتعلق بالتكوين وضمان حقوق الإنسان". وهذا كما يقول الفقهاء من باب قياس الغائب على الشاهد.
فالضابط المذكور هو شرطي سابق وبالتالي لا علاقة له بوضع عناصر الأمن، حيث اتخذت المديرية العامة للأمن الوطني، منذ وصول عبد اللطيف الحموشي إلى إدارتها، عددا من الإجراءات تهم الوضع المادي لرجل الشرطة، يخص الزيادة في الرواتب كما يهم نظام التعويضات التي تحدث عنها الضابط السابق دون أن يكون على دراية بها وبما استجد فيها.
ولقد تحققت أشياء كثيرة لفائدة رجال الأمن وتم تطبيق صارم لنظام الترقية التي أصبحت أوتوماتيكية وفق المعايير الموضوعة في هذا المجال، بل إن المديرية العامة نفذت أحكاما قضائية بهذا الشأن دون مركب نقص، ولكن الضابط السابق تعود به الذاكرة إلى زمن لم يكن فيه قادرا على فتح فمه لكن اليوم نحن في زمن يمكن أن يتحدث بحرية دون أن يمسسه سوء.
تحدث الضابط السابق بشكل غريب عن عمل رجال الأمن، وما أسماه الدوبلاج وغيره، وكأنه يتحدث عن وظيفة من الوظائف العادية، ناسيا أن وظائف مثل الأمن والدرك والجيش والطب والوقاية المدنية هي وظائف مختلفة تتميز بتضحية أصحابها من أجل الآخرين قبل التفكير في الراتب والتعويضات، وطبعا ينبغي أن يتمتع هؤلاء بظروف جيدة للعمل.
لا يستطيع الضابط السابق تفسير سلوك رجل أمن ارتقى شهيدا عند الله، وهو اليوم نجمة في السماء تضيء هذا المغرب، هذا الشرطي العادي ضحى بنفسه وروحه من أجل الآخرين، ذلك أنه سنة 2007 عرفت مدينة الدارالبيضاء سلسلة تفجيرات إرهابية، وبينما كانت الجموع محلقة حول آثار الجريمة ظهر إرهابي ممنطق بحزام ناسف وقبل أن يصل إلى محطة تفجير نفسه عانقه رجل شرطة وانفجرا معا مجنبا المغرب مجزرة بشرية.
هل بإمكان الضابط السابق تفسير هذا السلوك؟ هل يمكن أن تدفع كل رواتب الدنيا شخصا ليضحي بروحه بدلا عن الآخرين؟ طبعا لا. إنه الإحساس بأن الوظيفة مختلفة وفيها تضحيات جسام حيث يستيقظ رجل الأمن عندما ينام الآخرون حارسا للوطن وليس أجيرا براتب وكفى.