في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، انطلق في بلادنا المسلسل الديموقراطي، وقد تزامن تقريبا مع بداية العصر الديموقراطي في إسبانيا بعد وفاة "فرانكو" وعودة الملكية؛ وقد استبشرنا خيرا بمسلسل الديموقراطية ببلادنا، وإن تزامن مع بهْدلة التعليم ورجاله، ومنظومته، كما تزامن مع ضرب مادة الفلسفة، واعتبارها مشجّعة على الكفر، والزندقة، والعصيان؛ فعملوا على محاربتها بفتوى [الغَزّالي] في كتابه [تهافُت الفلاسفة]، وشجّعوا نشاط الفرق الدينية والمذهبية، فكانوا يفتحون لهم أبواب القاعات لإلقاء المحاضرات، فيما يصدّون أبوابَها في وجه الفلاسفة والمفكرين، كما حدث للدكتور [المنجرة] في مدينة مكناس، وما كان يقوله هذا المفكر، ويحذّر منه، هو ما نعيشه اليوم تماما..
غاب المفكرون عن بداية هذه التجرية الديموقراطية، وفُتح بابُها أمام الأمّيين، وأصحاب الشكارة، وتجار المخدرات، والخمور، والخلاعة، وهؤلاء، هم من كانوا يشرّعون لنا في قبة البرلمان، فكان من بينهم [أبو جهل، وأبو لهب، وشعُّو، وكذلك بَعُّو]، بالإضافة إلى شعراء من أمثال [الشَّنْفرة وتأَبّطَ شرّا] وقسْ على ذلك من الذين كوّنتهم "كاتدرائيات" الوصولية، والمكر، والخداع، والمتاجرة بأصوات الشعب لضرب الشعب؛ فكانت الحملات الانتخابية بمثابة [کورنة]، حتى لإنّ صحفيا إسبانيا يدعى [كرّاشْكُو] قال إن الكبش في المغرب أغلى ثمنًا من الناخب؛ لا بل إن جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، وصف البرلمان بالسيرك، وصدق جلالتُه، حيث استحالت القبّة إلى حديقة مُلِئَت بالقردة الخاسئين، بل منهم من دافع عن الخنزير، وطالب بحمايته حتى صار الخنزير اليوم في البوادي يهاجم السكان ليلا في بيوتهم، ويُتْلفُ مزروعاتِهم، واستحال إلى جائحة مثله مثل الجراد الرحال؛ كل ذلك بفضل البرلمان ونوّابه "الحكماء"..
واليوم، يحدّثوننا عن البرلماني السابق، وتاجر المخدرات، المدعو [سعيد شعُّو].. يا سبحان الله؛ ويا لها من صحوة هوتْ علينا فجأة! ألم يكن [شعُّو] عضوا في حزب تخلّى عنه زعيمُه في الانتخابات الأخيرة، وترشّح في الحسيمة باسم حزب [البيجدي]؟ أليس هذا دليلا آخر على أن هذه الأحزاب مجرد بنايات صورية، وحزبية وهمية، تنعدم فيها المبادئ، والروح الوطنية، وهمُّها ليس الوطن، وإنما عملة الوطن، وامتيازاته، وحصانته، ومآرب أخرى لا تعدّ ولا تحصى، وأهمها التقاعد المريح؟ لقد احتضنت هذه القبة فاسقين، ومنافقين، من تجار المخدرات، ومستوردي الخمور الفاسدة، إلى جانب الجُناة الزُّناة مع زوجات مُحْصنات، وفروج ليس عليها أقفال، وخزائن أموال ليس على أبوابها رجال، أم أنا مخطئ لا سمح الله؟ لا؛ والله ما أنا بمخطئ والتاريخ يسْنُدني..
ألم يخْتلِ برلمانيٌ [محترمٌ] بزوجة، ومارس معها رياضة الفراش؛ ولـمّا ضُبط، أُخلي سبيلُه بفضل الحصانة، ودخلت المرأة الزانية السجن؟ يحيا العدل! كان ذلك في شهر يونيو سنة 1995، وقد صُغْتُ آنذاك مقالة قلت فيها إن ساحتَه بُرِّئَت لأن قميصه قُدَّ من دُبُر، وذلك دليل على براءته.. وفي سنة 1996، وبالضبط في شهر مارس، استورد برلماني شيخٌ، جعّةً فاسدة من [بلغاريا] ومع ذلك ظل يزاول مهامّه كنائب لأمّة مسلمة، لها قيمٌ، وأخلاقٌ، ودينٌ، وقد اعتمد النائب المحترم في استيراد [بيرّة] فاسدة عملا بقول الشاعر: [وداوِني بالتي كانت هي الداء]، ومعلوم أن خيْبة من صوّت عليه، فورث البؤسَ، واليأس، والخيبة؛ كلها أمور لا تنسيها إلا [جعةٌ] فاسدة، وقد كان البرلماني [حكيما] في عمله ذاك.. كان ذلك ما ظهر على قمة الجبل الثلجي؛ أمّا ما خفي فقد قال عز وجل في كتابه العزيز: [لا تسألوا عن أشياءَ إنْ تُبْد لكم تَسُؤْكُمْ] صدق الله العظيم. إن أمثال [شعُّو] شوّهوا سمعة بلادنا بالمخدرات، إذ قالت صحيفة إسبانية إن المغرب هو [بلد الحشيش].. إن أشباه [شعُّو] دنّسوا برلمانَنا.. إن أتباع [شعُّو] عهّروا ديموقراطيتَنا.. إن خوارج [شعُّو] هدّدوا استقرارَنا.. وحسب التاريخ، فإن البرلمانيين الفاسدين، يكونون أوّل الفرّارين، تماما كما يكونون أول الطماعين، والانتهازيين، وقد أدانهم الله عزّ وجل، وتوعّدهم، وحذّر منهم، ومن نفاقهم..