بعد المجلس الوزاري الأخير، الذي عبر فيه جلالة الملك محمد السادس، عن غضبه من مجموعة من الوزراء والمسؤولين، الذين تسببوا في توقيف تنفيذ مشاريع الحسيمة منارة المتوسط، شرعت لجنة التفتيش التي أمر بها جلالته في القيام بعملها عن طريق الاستماع إلى المعنيين بالأمر، وقبل الكشف عن الاختلالات لابد من الإشارة إلى تقصير المفتشيات العامة في القيام بدورها التلقائي الاعتيادي، حيث كان عليها أن تكون مواكبة للأشغال منذ انطلاقها.
لكن بعد التوتر الذي عرفته المنطقة والناتج في غالبه عن توقف تنفيذ المشاريع الكبرى، دون نسيان دور اللعب في العملية طبعا، كان لزاما من فتح تحقيق عميق قصد تحديد المسؤوليات وترتيب النتائج عليها، ومعاقبة من يستحق العقاب، وقد وصلنا إلى مرحلة لا يمكن فيها التسامح مع أي واحد فرط في المسؤوليات الملقاة على عاتقه.
التحقيق وحده سيحدد هل توقف المشاريع ناتج عن خلل بنيوي أم موضوعي؟ هل الأمر يتعلق بالموارد البشرية التي لم تقم بعملها كما ينبغي، أو تورطت في توقيف الأشغال أو تنفيذها لاعتبارات مختلفة، أم يتعلق بأمور خاصة بالوعاء العقاري وصرف الاعتمادات؟
الاختلالات دائما تنتج عن تظافر عوامل كثيرة، يتداخل فيها البشري بالمالي بغياب أنظمة المراقبة الفعالة، ويبقى دور التحقيق منصبا على تحديد نسبة المسؤولية. إذا كانت المسؤولية في العنصر البشري فهل يتعلق الأمر بالمنتخبين أم بالتقنوقراط؟ وإذا كان الأمر يتعلق بالتقنوقراط هل هم المسؤولون المحليون أم المركزيون؟ إذا كانوا مركزيين فتلك طامة كبرى وإذا كانوا محليين فتلك طامة أكبر.
تبقى المسؤولية المركزية ثابتة في كل الحالات، أولا نظرا للمسؤولية السياسية للوزير المعني بالقطاع وباعتباره هو من يوقع على الملفات، وثانيا لأن المركز من مسؤولياته مراقبة عمل المصالح الخارجية ومتابعتها بشكل دقيق وإعداد التقارير والملفات اللازمة واتخاذ الإجراءات المناسبة تنبيها وتوجيها وتوبيخا ومحاسبة، لكن المصالح المركزية تغط في نوم عميق ولهذا تعيش بعض المصالح الخارجية حالة تسيب كبير.
المنتظر من التحقيق أن يكون شاملا، كما ينتظر الرأي العام نوعا من التعامل بشفافية مع الملف، أي إطلاع المواطنين على نتائج التحقيق، ولا نقصد طبعا النتائج التي ينبغي أن يحسم فيها القضاء، فهذه مخصوصة بالسرية إلى حين الانتهاء من كل مراحل التحقيق والمحاسبة.
من إلزامات التحقيق في ملف تأخير وتعطيل تنفيذ مشاريع الحسيمة منارة المتوسط أنه لا يوجد سقف للمحاسبة. بمعنى أنه إذا كان لزاما أن يتم اعتقال مسؤولين كبار من درجة وزير أو كتاب عامين فينبغي فعل ذلك بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة.
وثاني تلك الإلزامات ألا تكون الحسيمة هي المبتدأ والخبر ولكن فقط النموذج الذي يسري على المغرب بأسره من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، وأن تقوم المفتشيات العامة بدورها من غير مناسبة بل كعمل دوري وروتيني حتى يكون القائمون على الأشغال في انتظار المراقبة الدائمة كما ينبغي محاسبة المفتشية العامة للداخلية والمالية على عدم القيام بدورهما في ملف الحسيمة، وتقديم الملفات التي تحتاج إلى نظر القضاء أمام المحكمة.