دعونا من حكاية الملايير السبعة عشر فهي لا تنطلي على أحد، وصعبة التصديق، ولا محل لها من إعراب الصرف ولا من إعراب المال وعالم الأبناك الذي حاول البعض إدخال شعب فقير مثل الشعب المغربي إليه رغم أن للمغاربة حساسية مع هذا الموضوع بالتحديد، وهم يشبهون حالة الزعيم عادل إمام في مسرحيته الشهيرة «الواد سيد الشغال» حين أعلن مرضه، وقال إنه لايستطيع أن يقول عبارة فيها كلمة «مليون»، وأنه راجع الأطباء فأخبروه أن حالته مستعصية وأن حالته تجعله هو والحمار إخوة في نهاية المطاف مما يبرع فيه كبير الكوميديا العربية ويتابعه الملايين باستمرار.
دعونا من هاته النكتة البايخة، ولنركز قليلا على هذا العرض الحزبي المغربي، وما يكشفه لنا من مفاجآت باستمرار.
وجب القول هنا إننا وصلنا مع أحزابنا إلى مرحلة لابد من تغيير واحد منا فيها: إما تغيير الناخبين أي الشعب، أو تغيير هذا العرض الحزبي الذي لم يعد يغري إلا المستفيدين منه والمتنفعين من حسناته.
لا نريد قتل الأحزاب، ولا نريد تقليد القذافي في ترديد عبارة «من تحزب خان»، ولا نشرعن الاستبداد ولا نطمح في قتل الديمقراطية، ولا نريد أي شيء من الكلمات الكبرى التي يضربنا بها متنفعو الأحزاب: نريد فقط أحزابا حقيقية.
هل الأمر صعب إلى هاته الدرجة؟
هل هو معقد إلى هذا الحد أن نطالب بتشكيلات سياسية تمثل جزءا من المغاربة، بعضها يميني الهوى، وبعضها يساري التوجه، والبعض يتموقع في الوسط وينتظر؟
هل هي استحالة أن نقول اليوم بأن العرض الحزبي المقترح علينا منذ بداية الاستقلال بكل التفرعات التي عرفها، وبكل ظروف النشأة التي دخل فيها، وبكل الانشقاقات والانشقاقات المضادة والذي أوصلنا إلى ما نحن فيه هو عرض لم يعد يعني لمغربي ومغربية 2017 أي شيء، وأن الطلب أمر آخر مخالف تماما؟
لا نتصور ذلك. ففي العالم بأسره حكاية الحزبية هاته تغيرت ولم تعد بالشكل التقليدي الذي ورثناها به نحن، ولابد من بذل جهد في هذا الصدد.. لابد مما ليس منه بد.
في فرنسا مثلا، وخذها لك مثلا لأننا نحب تقليدها في عديد الأشياء، تلقى الحزبان الأكبران هناك صفعة ما بعدها صفعة على يد شاب اقترح مزج اليمين باليسار بالوسط، والبحث عن مصلحة الفرنسيين أينما كانت بعيدا عن الإيديولوجيا وتموقع ستينيات وسبعينيات قرن ماض لم نكن حاضرين فيه، ومن باب البلادة أن نرث معاركه وأن نواصل ترديدها رجع صدى لأناس رحلوا، بعد أن جربوا اختياراتهم في الحياة وقد فشلوا في بعض منها ونجحوا في بعض ثان، لكنهم يستطيعون الفخر أنهم جربوا اختياراتهم هم.
اللوم يقع اليوم علينا نحن الذين يطالبنا حراس المعبد المقدس بأن نواصل على النهج ذاته: أن نقدس كل من كان زعيما ذات يوم، أن نعبد قبور الراحلين، أن نحول مؤسساتنا الحزبية إلى محراب نعبد فيه القائد الملهم، ننفذ تعليماته، نذهب معه جميعا إلى الجدار ونرتطم ونحن مفتخرون، نردد نشيد الحزب بكل سذاجة وننتشي ونحن نموت.
معذرة، لكن نقاش الوساطة الذي حاول البعض طرقه على استحياء يبدأ من هاته النقطة بالتحديد، وهي نقطة مؤلمة وساخنة، ونعلم علم اليقين ألا أحد يريد التطرق إليها اليوم، لكنها البداية: وماذا لو كان هذا العرض الحزبي البئيس هو أس البلاء، وهو سبب الداء؟
وماذا لو كنا مجبرين على تحريك عقلنا السياسي الجماعي للإبداع قليلا، والوصول إلى ما قد يغري الناس ببعض من المتابعة عوض البقاء رهائن بين من يقول لنا «جماعتي أو الطوفان»، وبين من يقول لنا «انتهى الكلام والأمل والحياة»، وبين من يقول لنا «أنا التاريخ ولا ماضي لكم سواي»، وبين أتباع كل واحد من هؤلاء وهم يهددوننا بالزوال إن نحن مسسنا المصالح العابرة لكل حزب نعرف منذ القديم أنه بما لديه فرح، وليشرب الناخبون كل البحار…؟
ماذا لو مرة أخرى ؟
مجرد سؤال فعلا مع أمل في العثور على بعض من إجابة تقدمها لنا الأحداث الجارية أمام أعيننا في كل مكان من عالم الناس الفسيح هذا.
المختار لغزيوي