لكن إذا كان الشعراء قديما تكسُّبيين، ونفعيين بشعرهم، فإن أشباههم اليوم في ميدان الدعاية والإعلام، بالإضافة إلى من يسمون [المحلّلون] في القنوات الفضائية، هم كذلك منافقون وكذبة، وانتهازيون، يَنْظِمون الكذبَ نثرا، كما ينْظمُه الشعراء شعرًا، ولكلٍّ ثمنُه.. ومن كَذَبة اليوم، مَن هم خونة لأوطانهم، ونحن المغاربة لنا خونة معروفون في قناة [الجزيرة]، ولنا أيضا خونة ممّن أصبحوا يُسْتضافون مثلا في قناة [فرانس 24] الماسونية والمعادية لوحدتنا الترابية، والمتربّصة بنا ليلا نهارا، يساعدها في ذلك، خونة مقابل أن تُسوَّق خناشيشُهم على مرآة قناة داعرة..
لقد سمعنا الأعاجيب عن أحداث [الحسيمة]، واطّلعنا على الأكاذيب، وعلى صور ملفّقة لا يسقط في شراكها إلا من كان ينقصه ما يسمى بالفرنسية [إسبري كريتك] وما أكثر هؤلاء؛ ثم إن ما يساعد هؤلاء في كَذبِهم، وأضاليلهم، هو خُلو الساحة الإعلامية ببلادنا من تلفزة جذابة، بخطاب أخّاذ، ومذيعين لامعين، يشدّون الأبصار، وتطرب لسماعهم الأشعار؛ لهم مصداقية، لا ببّغائية، وعبارات ملتوية، وأشباه ألفاظ، وأسلوب الباعة في الأسواق؛ وأحداثٌ تحدث ببلادنا، فيُغَض عنها الطرف، ولا يسمع عنها المواطن إلا في قنوات الخصوم، وعلى الشاشات المعادية.. فهل بتلفزة كتلفزتنا التي تدار بعقلية [موظفي الإعلام] بدلا من [خبراء الإعلام] ستكسب الرهان، وترفع التحدي، وتستعيد ثقة المواطنين بتلفزة ما خدمتهم، ولا خدمت الوطن يوما؟ أشكّ في ذلك..
فهؤلاء الخونة، هم بلا شك أبناء مَن ساعدوا الاستعمار على تمديد فترة حُكْمه في بلادنا؛ لا شك أن أجدادَهم، هم الذين كانوا يُفْتون في المساجد بأن المستعمرين هم أُولُو الأمر فينا، وجبتْ طاعتُهم شرعا؛ لذلك وُلد أبناؤُهم مثْلهم، وعنْهم ورثوا الخيانة؛ لذا تراهم يكذبون دون استحياء، ويتآمرون ضد بلدهم، ويجتهدون في ذلك، تمشيا مع مال حرام يكسبونه من أسيادهم أعداء الوطن.. فلو كنتَ وطنيا صادقا أيها الخائن، لما انقلبتَ ضد وطنك، ولو نزل بك ظلمٌ، لأنه ظلمٌ من أفراد وليس من وطن؛ هذا لو كنت تدري، وكان لك منطق، وفكر، وحصانة ضد الخيانة.. فهؤلاء الذين ينبحون في القنوات، والمواقع، ويقفون عرايا تماما وأماكنُ العفّة منهم مكشوفة، مقابل فَلْسَين أو مقابل الظهور على الشاشة الفاسقين، يشبهون شعراء التكسب، وكانوا ينبحون لصالح مَن يدفع أكثر، والذين يسمعونهم، ويحفظون أشعارهم الكاذبة، إنما هم الغاوون ليس إلا..
مما يُضْحِك من هذا القبيل، أن شعراء وفدوا على [يوسف بن تاشفين] أمير دولة المرابطين، وكان من أمازيغ قبيلة لـمْثونة بالمغرب؛ ونظّموا القصائدَ في مدحه بواسطة [المعتمد بن عبّاد]؛ فلما أنشدوه قصائدهم، وهو لا يعرف ولو بيتا ممّا قالوه، سأله [المعتمد]: [أيعْلم أميرُ المسلمين ما قالوه؟]، أجاب [ابن تاشفين]: [لا أعْلم، ولكنهم يطلبون الخبز] وقد كان على حق، وإلا لماذا يمدح أو يهجو أو يخون الإعلامي لو لم يكن ذلك من أجل شيء ما؟ ولما انصرف [المعتمد] إلى الأندلس، كتب إلى [ابن تاشفين] رسالة قال في جملتها: حالتْ لفَقْدِكم أيامُنا فغدتْ * سودًا، وكانت بكم بيضًا ليالينا.. فلمّا قُرِئت عليه الرسالةُ سأل [ابن تاشفين] القارئ: [يطلب منا جواري سودًا وبيضًا؟] فلما شُرح له البيتُ بلهجته قال: [اكتُب له أنّ دموعَنا تَجْري، ورؤوسُنا توجعنا من بعده..].. وذُكِر أن خليفة من [بني العباس] كان شغوفا بالشعراء، يمْدحون مُلْكَه، ويكذبون بحق خصومه، أقام مهرجانا تسابق خلاله الشعراء بحضور الخليفة، فاندسّ بينهم أعرابي ظنّا منه أنها وليمة.. فلما جاء دورُه، قال له الخليفة: [هَاتْ] فقال [لستُ بشاعر يا أمير المؤمنين]؛ قال الخليفة: [وما الذي أتى بك إلى هنا؟]؛ فقال الرجل: [ألم يَقلِ الله عز وجل في كتابه العزيز: (الشعراءُ يتبعُهم الغاوون] فقال الخليفة والله، صدق الله العظيم، وفُزْتَ بالجائزة.. فإعْلاميو الكذب، والترهات، يتبعهم الغاوون، والسذّج، وذوو العقول الدنيا، ولعنة الله على الكاذبين.