الكذب لم يعد سلوكا اجتماعيا ونفسيا ولكنه أصبح صناعة تعتمدها الدول والمؤسسات والتجمعات والتنظيمات واللوبيات، والهدف من ورائها هو تحقيق أهداف مرسومة في مختبرات لزراعة الفوضى، مثلما حدث مع العراق عندما اتهموه بحيازة أسلحة الدمار الشامل وتبين فيما بعد أنه لا يتوفر حتى على الأسلحة التقليدية للدفاع عن نفسه.
كان هذا مع ثورة الإعلام المرئي، ولم يكن يومها الأنترنيت عرف الطفرة التي يشهدها اليوم، وكانت تلك الصناعة تحتاج إلى وقت كافٍ حتى يمكن تمريرها على المشاهد، أما اليوم ومع الثورة التي عرفتها مواقع التواصل الاجتماعي، أضحى الكذب سلعة رائجة، لكنه أيضا تحول إلى صناعة من قبل فئات وتنظيمات من أجل إرسال إشارات ضوء لمن هو يجلس خلف الحائط ينتظر من يعطيه الأوامر للقيام بأعمال التخريب.
في حراك الريف المعادلة صعبة جدا. مطالب اجتماعية لا غبار عليها. تدخل أعلى سلطة في البلاد من أجل تصحيح الوضع. شروع الحكومة في الاشتغال وفق الرؤية الملكية الجديدة فخرج من يقول لها: تأخرتِ. إنها المهاترات. فالبحث عن الحلول يقتضي مجموعة تنازلات، لكن هناك من لا يرغب في ذلك. مشروعية المطالب لا تعني شرعية حاملها. ومن بينهم مبدئيون كما نقول دائما، لكن من بينهم منخرطون في "اللعبة".
أصحاب اللعبة لم يتركوا طريقا لم يسلكوها ولا سفينة لم يركبوها. واليوم شرعوا في فبركة الصور ونقل صور كاذبة في صورة الحقيقة.
صورة مقتل شخص في البرازيل في الشارع العام، في إطار الجرائم التي يعرفها هذا البلد، تنشرها صفحات تابعة لحراك الريف على أنها من إمزورن.
وكما سبق أن أوردنا فهذه الصفحات أوردت أشخاصا تعرضوا للتعنيف في الشارع العام زاعمة أنهم تعرضوا للعنف من قبل عناصر الأمن، وتبين أن هذه الصورة مأخوذة من صفحة "زيرو كريساج" التي تم إنشاؤها سنة 2016 في إطار التصدي المجتمعي للجريمة.
إذن من الذي يقف خلف هذه الصور؟ ومن يروج لها؟ ولأي غرض؟
عندما نتحدث عن وجود أشخاص في الخارج والداخل يمولون الحراك ينتفض "السطحيون" منددين بنظرية المؤامرة. نحن نقصد عنصر "اللعبة" في الحراك. ومن يتقنها يقبض أكثر. هؤلاء هم الذين يقفون خلف الستار وهم الذين رفضوا إعطاء مهلة للتحقيق المفتوح حول الجهات التي تسببت في عدم تنفيذ مشاريع منارة المتوسط بالحسيمة، لأن التحقيق سيعيد الشارع إلى سيرته الأولى وسيتم تحقيق المطالب وحينها سيخسر هؤلاء كل شيء لأنهم لا ينتعشون إلا في الفوضى.
إذن صناعة الصورة ليست عملا فرديا منعزلا ولكنه يدخل في إطار الصناعة التي تقف خلفها أموال ومختبرات وخطة للترويج في الوقت المناسب.
ففي الوقت الذي بدأت الأمور تنفرج تم تكثيف الكذب والمزاعم والادعاءات، والترويج لمواطن دهسته سيارة الأمن وقتلته وهي كلها مزاعم الغرض منها إشعال الشارع حتى لا يهدأ لأن المافيا لا تشتغل إلا في الفوضى.