الحمد لله الذي هداني لهذا ، وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله .... لقد أنهيت الملاحظة التي ذيَّلْتُ بها موضوع " هل صحيح أن حراك منطقة الريف المغربية حراك انفصالي ؟ بأن رفعتُ للعلي القدير – أنا وليس صاحب الرسالة – دعاءا إلى الله سبحانه وتعالى يقول : " حفظ الله دول المنطقة المغاربية كلها من داء الانفصال "... وما كنتُ سأرفع هذا الدعاء لله - في نهاية الموضوع - لولا أن هداني الله لذلك ، وأحمد الله أن هذا الدعاء هو الذي صَدَّ وسيَصُدُّ عني كثيرا من الظنون التي أثارها هذا الموضوع عني ، ظنون ما كانت تدور بخلدي أبدا عندما هممت بتبني هذا الموضوع ، فأحمد الله كثيرا على ما هداني إليه .
أولا : شكر وامتنان لابد منه :
أولا وقبل كل شيء أشكر جزيل الشكر الإخوة والأخوات الذين فرَّقوا ومَيَّزُوا بين أسلوب رسالة صديقي المغربي البسيطة والمُغْرِقة في الذاتية عمَّا دار ويدور في منطقة الريف بالمغرب ، فرقوا بين ما جاء في تلك الرسالة وبين الأسلوب العام لكتاباتي التي كنت أحاول قدر المستطاع أن تكون مضبوطة من حيث المنهج وبناء أفكار الموضوع والخلاصات أو الاستنتاجات للخروج بفكرة مفيدة للجميع ، وهذا يدل على أنه لا تزال هناك – ولله الحمد- فئة من القراء تتحمل عناء قراءة المواضيع التحليلية الطويلة جدا ، تقرأ الموضوع وتتتبع الأفكار وتبحث عن الخيط الناظم لهذه الأفكار خاصة إذا كان موضوعا شائكا ، وهذه المواضيع التحليلية الطويلة جدا لا يقرأها كاملة إلا القلة القليلة جدا جدا من مرتادي أمثال هذه المواقع ، لأن هذا العصر هو عصر الوجبات السريعة والبحث عن الطرائف ، أما ملاحقة الظواهر وتحليلها واستشراف المستقبل على ضوء نتائجها فتلك سلعة أصبحت بائرة خاصة مع انتشار كتابات ( الفاست فود ) الاستهلاكية السريعة التي تظهر كالفقاقيع وتموت بسرعة الفقاقيع ..فشكرا جزيلا للإخوة والأخوات الذين أبانوا عن تمتعهم بالصبر أولا لقراءة مثل هذه المواضيع الطويلة ، وهنيئا لهم ثانيا بما حباهم الله من نظر ثاقب وملاحظة دقيقة للتفريق بين أسلوب رسالة الصديق المغربي وأسلوب كتاباتي طيلة سنوات، هذا من جهة ومن جهة أخرى لا يفوتني أن أشكر إخواني الذين عاتبوني على تبني هذه الرسالة ونشرها غيرة منهم على ضرورة المحافظة على الحد الأدنى للمستوى الذي تواضعنا – ضمنيا – عليه ...فألف شكر للجميع ...
ثانيا : حاكي الكفر ليس بكافر :
رُبَّ ضارة نافعة ، لقد ترددت كثيرا في تحمل مسؤولية تبني رسالة الصديق المغربي حول حراك الريف وهل هو حراك من أجل مطالب اجتماعية محضة أم وراءه حركة انفصالية تدفع بأهل منطقة الريف إلى استغلال هذه الحركة والركوب عليها لتحقيق مطالب انفصالية ، لقد كانت رسالة صديقي - وأكرر هي رسالة - فجّر فيها صاحبُها انفعالاتٍ مُغرقة في الذاتية وبعض الحكايات الشخصية التي بنى عليها أحكامه وليست موضوعا مؤسسا على أفكار رصينة ،بل كانت رسالة للتعبير عن حالة نفسية ضاغطة خاصة وأن هذا الصديق أكد ولا يزال يؤكد المواقع المغربية - وخاصة المشهورة منها في المغرب - ترفض أن تنشر ليس المواضيع بل حتى التعاليق التفاعلية على المواضيع التي تنشرها لبعض زبائنها ... لقد كانت رسالة صديقي المغربي طويلة نقَّحْتُها وحذفتُ منها الكثير من الإطناب وعالجتُ ما كانت تحمل من التناقضات لأجعلها قابلة لطرح وجهة نظر صاحبها ( طبعا كان التعديل بموافقة صاحبها ) ..هي رسالة يمكن أن نختصرها فيما يلي : " محاولة إقناع القارئ بانتشار مظاهر الكراهية بين سكان الريف تجاه إخوانهم من مغاربة وسط المغرب وغربه وجنوبه بدليل أن ساكنة الريف عاشوا حلم الجمهورية بقيادة عبد الكريم الخطابي الذي يقدسه ريافة كثيرا ولا قيمة عندهم – إلى اليوم - لرموز المملكة المغربية مثل محرر البلاد المرحوم الملك محمد الخامس أو باني المغرب الحديث المرحوم الحسن الثاني ، كما أن رايتهم المقدسة هي راية جمهورية الريف ولايعترفون بالعلم المغربي ، ومن كل ذلك نشتم رائحة الانفصال في حراك الريف الذي طال سبعة أشهر وخاصة أنه كان من شروط هذا الحراك الامتناع عن حمل العلم المغربي والتشبت بعلم جمهورية الريف وعلم الأمازيغ بل تم طرد بعض الذين حاولوا حمل العلم المغربي ، وهذه مؤشرات لن يستطيع أحد إنكارها " ... هذه أهم نقط رسالة الصديق المغربي ، وبالمناسبة نلاحظ أن بعض المتفاعلين مع هذه الرسالة في تعاليقهم عليها قد ساروا في اتجاه تأكيد ما جاء في تلك الرسالة بل بعضهم زاد أشياء أخطر مما جاء في الرسالة ، لكن الأغلبية الساحقة من التعاليق ردت بانفعال شديد لكنه جميل ورائع يثلج الصدر ، لأن هذه الأغلبية الساحقة من المتفاعلين مع هذه الرسالة كانت تكره فكرة أن تكون مطالب سكان الريف " انفصالية "... وللحقيقة فالمتمعن في عمق معاني رسالة صديقي المغربي البسيطة سيلاحظ أن بين سطورها غضبا شديدا على "الانفصاليين " وعلى إلياس العماري الذي أشعل هذه الفتنة ( بالمناسبة هناك تعليق يؤكد أن العماري سبق أن حوكم ودخل السجن لأنه أحرق العلم المغربي وهو لايزال تلميذافي المدرسة الثانوية ، واليوم يرأس جهة طنجة الحسيمة !!!) لقد كان صاحب الرسالة يكره دعاة الانفصال بدليل أنه كان معجبا بما فعله المرحوم الحسن الثاني بالذين رفضوا التنازل عن السلاح وقال " شردهم شر تشريد " كذلك نلاحظ أنه يمقت الذين لم يحملوا العلم المغربي وحملوا علم جمهورية الريف ورأى في ذلك علامة من علامات الدعوة للانفصال وهو يقول ذلك باستنكار وامتعاض ... إن صديقي المغربي عبر عن حقده وكرهه لدعاة الانفصال حيث ختم رسالته بقوله : "نعم إنه حراك انفصالي مهما حاول الجميع دفع التهمة عنه ، حراك انفصالي وسيبقى انفصاليا يتغذى من أطعمة الجوار الذي ينفق عليه مثلما ينفق على انفصاليي الصحراء المغربية ....." وفي ذلك إشارة واضحة لنظام الجزائر الذي يتربص بالشعب المغربي لتدميره تشفيا منه على ما حققه من تقدم سياسي واقتصادي واجتماعي ، هذا رأي صديقي كما جاء في رسالته أما رأيي أنا فأحمد الله أنني كنت ولا أزال من دعاة الوحدة العربية وليس الاتحاد المغاربي أو الوحدة الوطنية فقط ( وأتحدى أن يجد قارئ من قراء مقالاتي دعوة للانفصال سواءا إشارة أو تلميحا للجزائر أو المغرب أو كافة الدول العربية والإسلامية ) وما يشفع لي في ذلك ما جاء في آخر مقال لي ما ذيلت به الرسالة .....حفظ الله دول المنطقة المغاربية كلها من داء الانفصال ..وأحمد الله تعالى أن هداني لذلك حيث كنت سأنهي الرسالة بتعليق آخر لكن : " الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَاوَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ(الأعراف 42 ) ... لقد رددت مع الرسالة معاني الانفصال وكراهية الانفصال ونحمد الله أن حاكي الكفر ليس بكافر ...
ثالثا : حينما أكتب عن المغرب فالجزائر دائما هي الغائب الحاضر :
لم أتجرأ أن أكتب شيئا عما يجري بالحسيمة المغربية وغيرها من مدن وقرى منطقة الريف المغربية لسبب بسيط هو أني أجهل الكثير عن الموضوع وحيثياته وخاصة الأخبار المتناقضة التي تنشر عن كل ما يجري هناك ، وليس من حقي أن أتطفل على شيء لا أعلم عنه الكثير وفيه كثير من اللبس ، وخاصة إن كان الموضوع بهذه الدرجة من الحساسية ، فلم أتجرأ أن أخط حرفا واحدا عن الموضوع رغم أن عمره سبعة أشهر ...إني أكتب عن الجزائر ثم الجزائر ثم الجزائر وبعد ذلك يمكن أن أدلي برأيي حول ما يجري عند الأشقاء في المغرب أو تونس أو موريتانيا أو ليبيا أو مصر وخاصة إذا تعلق الأمر بالخوف على هذه الأوطان لأنها وطني الكبير ، والخوف على أهاليي فيها ( لأنهم أهلي ) أكتب أحيانا عن المغرب وعن تجربته الديمقراطية الفتية كما كتبت عن تجربة تونس الشقيقة ...أما اهتمامي الشخصي بالمغرب فسببه بالدرجة الأولى حراك مثقفيه وفنانيه وحيويتهم وإبداعاتهم وما ينجزه مشاهير مؤلفيه المتميزين عربيا وعالميا أمثال الأستاذ عابد الجابري والأستاذ عبد الله العروي والدكتور عبد الكبير الخطيبي والطاهر بنجلون والمرحوم الطيب الصديقي وغيرهم كثير جدا جدا ،وخير دليل على ذلك أن المثقفين الجزائريين الأحرار أقول الأحرار حقا هم كذلك يحترمون بل ويقدرون التجارب المغربية في الكتابة والإبداع في السياسة والأدب وعلوم اللغة والفلسفة وعلم الاجتماع وعلم المستقبليات [ رحم الله الدكتور المهدي المنجرة الذي كدت أنساه رحمه الله ] ومن يقول في هؤلاء غير ما قلتُفيهم فهولا يعرف شيئا عن المغرب وساسته وأدبائه ومثقفيه ، ويكفي أحرار الجزائر أن أحد أكبر وأعظم مثقفي الجزائر وأحرارها وهو المرحوم محمد أركون اختار أن يدفن في مدينة الدارالبيضاء المغربية ، وفي ذلك أكبر رمز للحمة المتينة التي تجمع بقوة بين مكونات شعب واحد فرقته الجغرافيا التي استغلتها الأنظمة لكن الأرواح لا تفرقها الجغرافيا لأن التاريخ والعقيدة واللغة و تمازج الأعراق فوق الجغرافيا ..
لقد نشر لي موقع الجزائر تايمز مواضيع خاصة بالمغرب ومع ذلك فقد تبدو خاصة بالمغرب لكن هي من باب الخوف عليه لأن المقارنة مع ما يجري في الجزائر تبقى هي الحاضر الغائب دائما وأبدا حتى وإن كان عنوان الموضوع عن المغرب مثلا :
1) موضوع "ألا يزال المغرب في حاجة لشخصية كاريزماتية مثل عبد الإلاه بن كيران ؟ " هذا موضوع كنت قد كتبته وأنا متأثر بشخصية بن كيران الكاريزماتية ، وهو كذلك بلاشك ( قد يختلف معي غيري وله الحق في ذلك ) لكن من ينكر أن هذا الرجل قد غيّر في أذهاننا صورة رئيس الحكومة في بلد عربي ؟ كتبت عن ابن كيران وفي ذهني عبد مالك سلال الذي لاأزال لحد الساعة أتساءل : ألا يوجد في الجزائر رجال أفضل من سلال أو تبون يحسن الكلام على الأقل؟ لأن حكام الجزائر هم بدون فكر ولا كلام ..
2) وكتبت عن الجرائمالتي قام بها البوليساريو في ( اكديم إزيك ) ، البوليساريو الذي يفتخر لحد الساعة أنه تبول على إنسان ميت بعد أن نكل بجثته ، كتبت هذا الموضوع وفي ذهني ما عاشه ويعيشه الشعب الجزائري تحت وطأة المخابرات العسكرية الجزائرية التي خططت ودبرت ومولت أحداث اكديم إيزيك ، وهو موضوع كتبته ولم يغب عن ذهني غريزة الإجرام لدى النظام الجزائري الذي ذبح 250 ألف جزائري بدم بارد في العشرية السوداء ، أليست اكديم إيزيك قطعة مصغرة جدا جدا من مذابح العشرية السوداء في الجزائر لأن بصمات المخابرات العسكرية الجزائرية واضحة في أحداث اكديم ازيك ؟ .
3) وكتبت عن المغرب موضوعا كله خوف عليه من تكرار تجربة الانقلاب على الشرعية الدستورية في الجزائر عام 1991 ، كان عنوانه " هل يتجه المغرب نحو انقلاب على الشرعية الدستورية كما وقع في الجزائر عام 1991 ؟ " كان ذلك إبان الفترة التي تعسر فيها على ابن كيران تشكيل الحكومة بعد انتخابات أكتوبر 2016 .
4) وكتبت موضوعا بعنوان " هل يدفع عزيز أخنوش المغرب إلى حرب عرقية ؟" وكان ذلك بعد أن رأيت بأم عيني كيف أصبحت أرقام صناديق الاقتراع لا قيمة لها في انتحابات أكتوبر 2016 التشريعية في المغرب ، وكيف كان يسخر زعيم حزب الأحرار الجديد المدعو عزيز أخنوش كيف كان يسخر من الأرقام التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية أو التي حصل عليها حتى حزب الأصالة والمعاصرة ، ويدعي أمام أنصاره أن العبرة ليست في أرقام صناديق الاقتراع بل في أي شيء لم يذكره بل اختصره في كلمة أمازيغية واحدة هي " أغراس " وتعني الطريق المستقيم على ما أظن ... فهل هذا هو مفهومه للديمقراطية ؟ هزلت والله .
هذه هي المواضيع التي كتبتها عن المغرب لكن وأنا أكتب مواضيع عن المغرب الشقيق كانت الجزائر بين سطورها هي الغائب الحاضر دائما في مثل هذه المواضيع ...لأنني مع ما قال الرجل الجزائري الفحل الأستاذ هشام عبود يا من لايعرفه ويعرف عشقه لوطنه الجزائر هذا الرجل النزيه الصادق قال في المغرب حينما زاره عدة مرات : " أنا راني نزور في المغرب هاذ الأيام ونمشي من الناظور لطنجة للدارالبيضاء للرباط ، قسما بالله العلي العظيم ندمت اللي جيت للمغرب لأنُّو مْرَضتْ ، قلبي يوجعني ، هاد لبلاد اللي ما عندها لا بترول ، ما عندها والو تستغرب تشوف لوطوروت من وجدة للدار البيضاء ماكاش مترا وحدة محفرة ولا مكسرة ، تشوف البنيان ، عمران الدارالبيضاء ، خلاص هربو علينا بعشرين سنة ، أنا غرت منهم وليت نحسد ، حسدتهم ما عندهم لا بترول ولا والو ، احنا ألف مليار دولار دخلت لينا في عشر سنين بنينا مسجد ما كملش " ....لذلك أرجو أن لا يعيب علينا أحد حينما نتحدث أو نكتب عن الجزائر وتحضر تونس أو المغرب بين السطور أو كخلفية للمقارنة الضرورية لأن الشعب الجزائري عاش ويعيش الغبن طيلة حياته ، طيلة 55 سنة منها 42 سنة ضاعت ملاييرها من الدولار حول قضية خاسرة مع المغرب هي قضية الصحراء ... من يستطيع أن يتجرأ على جنرالات فرانسا ويقول في وجههم مثل هذا الكلام ، سمعت مثله أو قريبا منه من فم وزير جزائري سابق اسمه نور الدين بوكروح ...أحرار الجزائر يقولون مثل هذا الكلام لأنهم يحبون الخير للشعب الجزائري ويريدونه أن يكون في مصاف الدول الكبرى خاصة وأن مُقَدَّرَاتِهِ الطبيعية تؤهله لذلك ، ويقولون مثل هذا الكلام لأنهم يحبون الشعب المغربي أيضا لأن أهاليهم هناك والعكس صحيح ولأن الدماء دماءا واحدة شاء من شاء وكره من كره .
رابعا : كيف كانت تعيش شعوب المنطقة المغاربية في زمن الاستعمار ؟
كانت رسالة صديقي المغربي تحمل بين طياتها شيئا هو كالحرقة أو الغصة التي عبر بها ، كانت غصة صديقي مثل مرض معدي أصابني لكنني أنا – بعد ضجة تلك الرسالة البسيطة فكرا وموضوعا – وجدت نفسي قد تجاوزت سؤال : " هل صحيح أن حراك منطقة الريف المغربية حراك انفصالي "؟ تجاوزت هذا السؤال إلى تساؤل أعمق يطرحه على أنفسهم كل أحرار الجزائر و المغرب وتونس وليبيا وموريتانيا ألا وهو : لماذا لم تعد هذه الشعوب الشقيقة كما كانت قبل خروج الاستعمار من المنطقة المغاربية برمتها ؟ ومن لا يعرف كيف كانت تعيش هذه الشعوب الخمسة فيما بينها نقول له : إنها كانت حقيقة شعبا واحدا بدون مبالغة ... لكن السؤال الأعمق هو: نحن اليوم نعرف أنها كانت – في الماضي - تعيش كشعب واحد ، كانت تلك الشعوب الخمسة موحدة، لكن كيف تسللت التفرقة بين شعوبها اليوم ؟
الجواب على هذا السؤال هو أن أحرار كل المنطقة المغاربية ، أعيد وأقول : أحرار كل المنطقة المغاربية من ليبيا حتى موريتانيا - يعودون بذاكرتهم إلى ما قبل استقلال الجزائر وكيف كانت شعوب المنطقة المغاربية تعيش كشعب واحد ، ولأن شعوب المنطقة المغاربية كانت قبل 1961 أي قبل خروج البيان رقم 1 بتاريخ 15 جويلية 1961 تاريخ انقلاب العسكر في الجزائر على الشرعية الثورية للحكومة المؤقتة برئاسة يوسف بنخدة ، كانت شعوب المنطقة المغاربية شعبا واحدا – وهذه حقيقة يكره أن يسمعها النظام الجزائري – كانت تعيش في محبة ووئام تام وخاصة بين الشعبين الجزائري والمغربي ، والشعبين الجزائري والتونسي ولا يمكن تعداد كل المواقف التي وقفتها شعوب المنطقة فيما بينها في إطار وحدة العمل الواجب ضد المستعمر وليس تظاهرا مصطنعا بل كانوا يعيشون الوحدة كبديهية أساسية ، ولا أقول يعيشون على بديهية أساسية ، أبدا كانوا يعيشون تلك البديهية أي يَحْيَوْنَهَا في حياتهم اليومية ، يتنفسونها في هوائهم في كل لحظة وحين ، ولاستيعاب هذا الاندماج التام بين شعوب المنطقة المغاربية لابد أن يصبر معي القارئ المهتم لسبر أغوار هذه الحقيقة .... نعم إنها حقيقة مذهلة تبدو اليوم وكأنها ضرب من الخيال أو نوع من الادعاء الباطل ...وهي حقيقة رغم أنف أنوف النظام الجزائري الذي سرق ثورة الشعب الجزائري وثروته شاء من شاء وكره من كره من الشياتة صغارا وكبارا ...
خامسا: حركات تحريفية للدين الإسلامي تدافع عن الاستعمار :
قليل من الناس من يعرف أن الاستعمار الإنجليزي في القرن التاسع عشر وخاصة في الشرق الأقصى استغل ضعف عقيدة بعض المسلمين الهنود وَوَجَّهَهُمْ نحو تحريف الدين الإسلامي وإدخال بعض التخاريف ضمن مبادئه السمحة وذلك تحت شعار تجديد الدين الإسلامي وكان متزعم هذه الحركة التي سميت " حركة التجديد " المدعو أحمد خان ( مات عام 1898 ) إضافة إلى حركة أخرى تقوم على نفس المبادئ الأولى تسمى حركة ميرزا غلام أحمد ( مات عام 1908 ) وهو هندي أيضا وهي الحركة التي ستعرف فيما بعد بالحركة "القاذيانية "( ظهر بعض طشاش القاذيانية أو الأحمدية في الجزائر )وعمدت هاتان الحركتان إلى تأويل مبادئ الإسلام وتحريفهابدعوى التجديد ، وقد سَهَّلَ ذلك التحريفُ وجود هؤلاء الهنود المسلمون في محيط مليء بمعتقدات أخرى كثيرة جدا منها مثلاالبوذية والهندوسية والسيخ والبراهماتية وغيرها من المعتقدات المنتشرة بالمئات في الشرق الأقصى ، ومن المبادئ المُحَرِّفة لمبادئ الإسلام الصحيح والتي شَجَّعَ الاستعمارُ الإنجليزي على زرعها ونشرها ضمن المبادئ الإسلامية السليمة نذكر مثلا ( الإسلام ليس هو آخر الأديان –تناسخ الأرواح - وجوب طاعة الانجليز لأنهم أصبحوا هم أولي أمر المسلمين – إباحة شرب الخمر وتناول المخدرات – انتظار ظهور المهدي وغير ذلك من الموبقات المحرمة في ديننا الحنيف ...) ..وقد انتشرت هذه العقيدة الفاسدة بين مسلمي الهند كانتشار النار في الهشيم ، كما أن هذه الفئة كانت تحظى بتقدير وتمييز عند الاستعمار الذي كان يعتمد على ولائها له خاصة وأنه ضَمِنَانتشارعقيدة جديدة بين هؤلاء المتأسلمين تُنَاصِرُ الاستعمار وتدعم وجوده في الشرق الأقصى..وكانت حركتهم تلك تسمى في ذلك الوقت " حركة حماية الاستعمار " والدفاع عن وجوده لأنه يحمل ( للمسلمين ) في تلك المنطقة الرقي والحضارة الصناعية ... وماكان يدبر للإسلام والمسلمين وهم تحت نير الاستعمار في الشرق الأقصى لم يسلم منه الشرق الأوسط وعلى رأسها مصر والشام ، كما لم تسلم منه كافة المنطقة المغاربية ...
سادسا : ظهور تيارات إسلامية إصلاحية حقيقية لنقد تحريفات الموالين للاستعمار :
وللرَّد على هؤلاء المُحَرِّفين والمزورين لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف والأصيل في الشرق الأقصى انبرى علماء الإسلام الأجلاء في الشرق الأوسط ( مصر والشام ) يبحثون في مَضَانِّكتب الدين الإسلامي العتيقة والنبش في أصول الإسلام الصحيح والتشبع بما فيها من مبادئ الإسلام الحقيقية للتصدي لهؤلاء المُهرطقين الذين ظهروا أول ما ظهروا في الهند ، ومن العلماء الذين تنبهوا لبداية انحراف الإسلام في الشرق الأقصى رجل من المنطقة وهو جمال الدين الأفغاني المتوفى عام 1897 الذي رحل إلى مصر لينهل من الآداب والفنون وعلوم الإسلام الصحيح ، وكان جمال الدين الأفغاني يعتبر الكتب العربية القديمة تتميز بالجمود والتحجر ويمكن أن يكون ذلك حاجزا دون فهمها خصوصا على الفتيان الصغار – في ذلك الوقت - فدعا في البداية إلى الكتابة بعربية سهلة ومبسطة تستنبط أفكارها من تلك الكتب العتيقة والأصيلة ثم تنشر تلك الأفكار بلغة سهلة للتصدي لتحريفات الاستعمار وأذنابه في الشرق الأقصى فارتبط اسم جمال الدين الأفغاني " بالتجديد " فكان تجديد جمال الدين الأفغاني على واجهتين : الأدبية والدينية ... لقد أدرك علماء الإسلام في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين أنهم أمام حملة استعمارية تستهدف هويتهم الدينية والثقافية لذلك ظهرت في العالم الإسلامي – برمته - حركة دينية إصلاحية أحيت العقيدة الإسلامية من منابعها الأصيلة النقية الطاهرة وتصدت لانحرافات " المدافعين عن الاستعمار " ونقد العقائد التي كانت تساير مطالب الاستعمار في المشرق والمغرب ، وقد كان من بين أهم العلماء الذين أحيوا أصول الدين الإسلامي الحنيف من منابعه الصافية أحد تلاميذ جمال الدين الأفغاني وهو المصري الشيخ محمد عبده المتوفى عام 1905 ( وهو ليس محمد بن عبد الوهاب مؤسس الوهابية في السعودية ) كان محمد عبده المصري يُعَدُّ أحد رموز التجديد في الفقه الإسلامي ومن دعاة النهضة والإصلاح في العالم العربي والإسلامي، ساهم بعد التقائه بأستاذه جمال الدين الأفغانيفي إنشاء حركة فكرية تجديدية إسلامية في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين تهدف إلى القضاء على الجمود الفكري والحضاري و إعادة إحياء الأمة الإسلامية لتواكب متطلبات العصر الحديث ، وكان منهم عبد الرحمان الكواكبي ( مصري توفى عام 1902 ) ومصطفى صادق الرافعي ( مصري أيضا توفي عام 1934 ) ، كل هؤلاء وغيرهم وضعوا منهجا فكريا جديدا لتقوية المسلمين في معارضتهم للاستعمار ومواجهة أزلامه الذين يدافعون عنه باسم بعض المبادئ الإسلامية المزيفة .
سابعا: تأثير علماء المسلمين في الشرق الأوسط على علماء المنطقة المغاربية قبل الاستقلال:
وهنا مربط الفرس وزبدة القول بالنسبة لموضوعنا وهو وحدة شعوب المنطقة المغاربية الخمسة بدون شك ولا ريب وعلاقة علمائها بعلماء الشرق الأوسط ( مصر والشام ) ، ويمكن المرور إلى الاستدلال على هذه الوحدة ( للتذكير نحن نتحدث عن فترة ما قبل خروج الاستعمار من المنطقة المغاربة ) يمكن المرور إلى الاستدلال على هذه الوحدة المؤكدة من خلال العلاقة الوثيقة جدا بين علماء الدول الخمس ( ليبيا – تونس – الجزائر – المغرب – موريتانيا ) الذين تأثروا بعلماء الإسلام في الشرق الأوسط من جمال الدين الأفغاني إلى محمد عبده وغيرهم من المجددين لعقيدتنا الإسلامية السمحة وكل علماء المنطقة المغاربية سافروا بالضرورة إلى المشرق وخصوصا مصر لينهلوا من علوم المجددين الذين ذكرناهم ( جمال الدين الأفغاني – محمد عبده –الشيخ رشيد رضا - عبد الرحمان الكواكبي – مصطفى صادق الرافعي وغيرهم كثير ) ، لن ينكر أحد تأثير علماء الشرق الأوسط على علماء المنطقة المغاربية وخصوصا فيما يتعلق بحتمية الوحدة العربية الإسلامية حيث كان ذلك من البديهيات التي لا يمكن طردها من تفكير علماء المسلمين لأن الوحدة كانت استراتيجية وضعها علماؤنا من المشرق إلى المغرب ، وسنبدأ بعلماء الجزائر قبل غيرهم :
1) علماء الجزائر قبل الاستقلال : نبدأ بجمعية علماء المسلمين في الجزائر برئاسة الشيخ عبد الحميد بن باديس وعبد الرزاق قسوم وكان من أعضائها محمد البشير الإبراهيمي –الطيب العقبي – مبارك الميلي وغيرهم كثير تأسست عام 1931على أن شيوخها الكبار كانوا متفقين على التأسيس كان قبل ذلك وقد يعود تاريخ التأسيس إلى عام 1913 ومن أهم مبادئها محاربة الاستعمار الفرنسي بنشر مبادئ الإسلام السليم الذي ينمي الوعي بالهوية الجزائرية والشخصية الوطنية التي ستكون عقيدة قوية لمجابهة الاستعمار الفرنسي بالقوة ، كما كان من أهم مبادئها تكفير الذين يطالبون بالتجنيس الفرنسي ، ومن أغرب ما حصل لهذه الجمعية أنها تبخرت بعد وفاة المرحوم البشير الإبراهيمي عام 1965 ، وهي فترة قمة الصراع على السلطة للعسكر الجزائري الذي داس بأحديته على جمعية تعتبر العمود الفقري لاستمرار الشخصية الجزائرية العربية الإسلامية إلى أن طمرها عتاة الشيوعية من قادة النظام العسكري الجزائري الفاشستي الذي كان يرى في هذه الجمعية الخيط الرابط بين شعوب دول المنطقة المغاربية فتخلص منها النظام الجزائري لأنها كانت شوكة في حلقه ضد مسخ هوية الشعب الجزائري التي هي من هوية دول المنطقة المغاربية وهوية الدول العربية الإسلامية ، خاصة أنه كان له مشروع لتغريب الشعب الجزائري ( تحويل هوية الشعب الجزائري إلى هوية غربية ) وإسقاطه في فخ الفلك الشيوعي ، لذلك بقيت الجزائر تجرب المخطط تلو المخطط على الشعب الجزائري حتى فقد النظام بوصلته وها هو يعاني اليوم ( 2017 ) أزمة هوية سياسية وثقافية ومهدد بانهيار اقتصادي محتوم .
2) علماء المغرب قبل الاستقلال : نذكر منهم : الشيخ محمد بن أحمد الرافعي - أبا شعيب الدكالي -المختار السوسي -محمد بن العربي العلوي –عبد الله كنون – علال الفاسي وغيرهم كثير .
3) علماء تونس قبل الاستقلال : نذكر منهم : الشيخ الفاضل بن عاشور – محمد الطاهر بن عاشور – محمد الشاذلي النيفر- الشيخ محمد الخضر حسين – محمد الحبيب بلخوجة وغيرهم كثير .
4) علماء موريتانيا قبل الاستقلال : محمد بن الحسن الحضرمي – محمد بن أبي بكر الحاجي الوداني –الحاج الحسن ولد أغبدي الزيدي – محمد بن سعيد اليدالي – أحمد البديوي المجلسي – عبد الله أحمد الشنقيطي وغيرهم كثير ..
هؤلاء العلماء الذين ذكرنا بعضهم من المنطقة المغاربية وبالأخص من الدول الثلاث الجزائر وتونس والمغرب قبل استقلال هذه الدول كان على سبيل المثال لا الحصر ، وإلا ففي ليبيا وموريتانيا علماء لا تقل درجتهم عن زملائهم مما ذكرنا وخاصة في مرحلة ما قبل الاستقلال ، كلهم ومن جميع الأقطار الخمسة كانت بينهم صلة وثيقة جدا ومنهج يكاد يكون واحدا إلا فيما نذر لأنهم كانوا قد نهلوا من منبع واحد أي متأثرين بعلماء الشرق وخاصة الشيخ محمد عبده ( أعيدها مرة أخرى وهو ليس محمد بن عبد الوهاب مؤسس الوهابية في السعودية ) بل الشيخ محمد عبده هو عالم دين وفقيه ومجدد إسلامي مصري...
ثامنا: لماذا يتشبث شعوب المنطقة المغاربية بوحدتهم ويصرون على هزم دعاة التفرقة فيما بينهم ؟
لقد صادف استهلال القرن العشرين بداية التجديد في الفقه الإسلامي والدعوة للنهضة والإصلاح في العالم العربي والإسلامي ، وقد كان ذلك على أنقاض عصر الانحطاط الذي بلغ فيه الدين الإسلامي درجة كبيرة من التحجر والتزمت حيث انصبت المؤلفات الدينية في عصر الانحطاط على كتابة الحواشي على المصادر وبعد ذلك كتابات الحواشي على الحواشي وهكذا ضاع جوهر ولب كتب الفقه وعلوم الدين عامة بين القشور وقشور القشور إلى أن جاء هؤلاء العلماء الفضلاء وهم كما ذكرنا ( جمال الدين الأفغاني – محمد عبده – الشيخ رسيد رضا - عبد الرحمان الكواكبي – مصطفى صادق الرافعي وغيرهم كثير ) ونفضوا عنها الغبار وبسطوا مضامينها وكان في ذلك أكبر النفع للمسلمين ...لقد كانت جهود علماء الشرق الأوسط والشام أولاً كَرَدٍّ على علماء الشرق الأقصى الذين انبطحوا للمستعمر الإنجليزي الذين حرفوا مبادئ الدين لصالح استدامة المستعمر والانصياع له باسم تجديد الدين الإسلامي ، لكن – ولله الحمد – انبرى لهم علماء الشرق الأوسط والمنطقة المغاربية وسفهوا ما جاءوا به من تخاريف حول الدين لتطويعه ليخضع المسلمون لنزوات المستعمر ، وكما في الشرق الأوسط ظهر - كما قلنا -علماء في المنطقة المغاربية من الذين ذكرنا في الجزائر على رأسها جمعية العلماء وفي تونس علماء جامع الزيتونة كما ذكرنا ومن المغرب علماء القرويين ، وكان اللقاء بين علماء الشرق وعلماء الغرب الإسلامي موصولا لم ينقطع أبدا ، لأن الهدف الجوهري لعلماء المسلمين المجددين هو طرد المستعمر من خلال نشر الوعي بالهوية الإسلامية لشعوب المشرق والمغرب وكذلك نشر كل مقومات الوحدة بين هذه الشعوب مهما بلغت المسافات التي تفصلها ، هكذا تماهى إحياء الدين الإسلامي الطاهر النقي للرد على الذين حرفوه في الشرق الأقصى ، تماهى إحياء هذا الدين النقي مع إحياء الإحساس بالانتماء لوطن واحد كبير كبير جدا تجمعه مئات الآلاف من المقومات الدينية والثقافية واللغوية .... كان هذا هو الإحساس الذي ورثناه عن أجدادنا ...
فلماذا حصل ما حصل ؟
1) بعد استقلال الجزائر نجد كل الكتب تقف عند المصير المجهول لجمعية علماء المسلمين الجزائرية الذين همشهم النظام الجزائري بحجة أنهم من العصر القديم لانفع فيهم ، مات أكثر علماء المسلمين الجزائرين الذين ذكرنا من شدة الغبن والفقر والفاقة وضاعت اجتهاداتهم للدفاع عن حرية الجزائر وهويتها ، بل وصل الأمر بالنظام المُلحد الحاكم في الجزائر بعد الاستقلال مباشرة أن لفقوا لبعضهم التهم حتى يطعنوا في مصداقية بعض هؤلاء الرجال العلماء الذين لولاهم لذابت الجزائر في هويات ممسوخة مختلفة ، لاينكر أحد أن حكام الجزائر يكرهون علماء المسلمين ويحتقرونهم ويدبرون لهم الدسائس منذ ما يسمى الاستقلال إلى اليوم ، ويكفي أن نذكر أنه باسم الحفاظ على حداثة الدولة الجزائرية قام الجنرال خالد نزار بذبح 250 ألف جزائري ذنبهم أنهم مسلمون يقولون لاإله إلا الله محمد رسول الله ... والله يمهل ولايهمل ... يكفي أن ننظر حالة الجزائر اليوم لنبكي دما.
2) بعد استقلال تونس حاول بورقيبة تشويه سمعة كثير من علماء تونس حيث تقول بعض الروايات أنه كان يفرض على بعض العلماء أن يشاركوه وجبة الغذاء في عز النهار من شهر رمضان ليراهم الشعب على الهواء مباشرة في التلفزيون لتشويه سمعة علماء تونس الأخيار لكنهم كانوا له بالمرصاد في مثل هذه النوازل ، ومن تلك الحكايات الكثير مما يسعى للطعن في المهمة الجليلة التي قام بها علماء الإسلام التونسيون المذكورون ، الذين حافظوا ولايزالون على صفاء الدين الإسلامي ونقائه في تونس ، وندعو لهم بالتوفيق .
3) أما في ليبيا فيعرف الجميع الحقد الدفين الذي كان يكنه القذافي لعلماء الإسلام بل بلغ به الجبروت أن أعطى لنفسه الحق في أن يكون – أستغفر الله العظيم – بمثابة إلاهٍ في الأرض ، مع ذلك أطلقوا سراح ابنه الذي لن يكون سوى نسخة من المقبور أبيه معمرالقذافي الذي قتل أكثر من 1200 مسلم في سجن أبو سليم يوم 29يونيو 1996 ذنبهم أن ذكروه بأنه خارج عن الصراط المستقيم الذي أمرنا به رب العالمين .
4) للمغرب خصوصية إمارة المؤمنين، باعتبار أمير المؤمنين حامي حمى الملة والدين في المغرب ويدافع عن قيم الإسلام الوسطي ، ولم تنقطع قط صلته بالإنتماء للوطن الأكبر وطن المسلمين جميعا ، ولذلك ظل المغرب عبر العصور ملاذا للمضطهدين يعيشون تحت ظل الملك وسيفه ... ولاتزال مؤشرات الدولة التقليدانية واضحة المعالم في المغرب الأقصى مع محاولات متواصلة للتجديد حسب العصر ، قد خطا علماء هذا البلد الشقيق خطوات جلى لمسايرة الدين الإسلامي لمشاكل العصر الحديث في التزام وتمسك شديد بالمذهب المالكي .
إن التمسك بمبادئ الدين الإسلامي الوسطي الصافي النقي الطاهر في المنطقة المغاربية كما تركه المُجَدِّدون الذين ذكرناهم هو الذي جعل الإحساس بالانتماء لوطن واحد ( شاء من شاء وكره من كره ) من نبغازي في أقصى شرق ليبيا إلى طنجة في غرب شمال إفريقيا ، ومن الجزائر العاصمة شمالا إلى نواكشوط جنوبا في كل المنطقة المغاربية بدولها الخمس ، التمسك بأصول ومبادئ هذا الدين بهذه الصورة التي وجدنا عليها أجدادنا في تراحمهم وتواددهم وتماسكهم هي التي جعلت شعوب هذه المنطقة المغاربية متشبثينبوحدتهم وإصرارهم على هزيمة دعاة التفرقة فيما بينهم من أقصى شرق ليبيا إلى أقصى شمال إفريقيا دون السماح لأي كان أن يحلم بإخراج شبر واحد من هذا الوطن الكبير ...
عود على بدء :
حسب هذا المسار الوحدوي الذي رسَّخَهُ أجدادنا في أذهاننا الذي مر عبر أكثر من قرن من الزمان –ورغم دسائس الجسم الغريب على المنطقة المغاربية من الحركي الحاكم في الجزائر- فإن حلمنا كان هو الوحدة العربية ، فكانت الخطوة الأولى هي أَمَلُنَا في خلق مجموعة جهوية أصغر هي الوحدة بين الدول المغاربية أولا ، وحتى هذا الهدف الأصغر فقد أفرغته مؤامرات ودسائس أذناب الاستعمار الحاكمين في الجزائر الذين ربطوا بين قيام الاتحاد المغاربي بشرط أن يكون عدد الدول المغاربية هو 6 دول وليس 5 دول أي بفصل جزء من جنوب المغرب أي اعتبار البوليساريو دولة سادسة ، وقد يشترط غدا النظام الجزائري أن يكون العدد 7 إذا تشبث أعداء الوحدة العربية بشرط فصل منطقة الريف كذلك عن المغرب ، وتلك كانت الطامة هي الكبرى التي تدل دلالة قاطعة على أن النظام الجزائري نظام تركه الاستعمار الفرنسي بيننا ليمزق وحدة كل الدول المغاربية بدون استثناء لتنفيذ مخطط الجنرال دوغول كما نفذه غيره في الشرق الأوسط ونجح .وقد سبق لي أن قلت في مقال سابق أن حكام الجزائر كانوا أول من نفذ مؤامرة تقسيم الدول العربية وتفتيتها منذ 1975 بمحاولاتهم فصل الصحراء المغربية عن وطنها الأم .
ولكل من لايزال يشك في محاولة زعزعة وحدة المملكة المغربية وتفتيتها أريد منه أن يجيب على هذا السؤال : ماهي التهم الموجهة للمسمى الزفزافي وجماعته ؟
فحسب ما نشرته كل وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية وكذلك الصحافة فهذه التهم يمكن تلخيصها - حسب محاميهم وحسب ما رشح عن التحقيق معهم - فيما يلي : - مؤامرة من شأنها المس بالسلامة الداخلية للدولة - التحريض على المس بالوحدة الترابية للمملكة– إهانة القوة العمومية -التظاهر بدون ترخيص... الخ الخ الخ هذه مؤشرات انفصالية وخاصة تهمة (التحريض على المس بالوحدة الترابية للمملكة ).... طبعا كلنا يتنمى أن تكون هذه التهم باطلة لكن التحقيق الذي طال أمده ( والفهم يفهم ) لابد وأن وراء الأكمة ما وراءها ، فلعل الجهات التي كانت تدفع الزفزافي وجماعته في اتجاه انفصال الريف قد انكشفت واختفت لتظهر في وقت آخر ومستغلة ظروفا أخرى خاصة وأن هناك دلائل على وجود منظمة أو منظمات في الخارج ( هولندا وبلجيكا ) لا شغل لها سوى تحقيق هدف الاستعمار الاسباني في المنطقة ، وهو " استقلال الريف " وهو الموضوع الذي نشرته " مجلة جون أفريك " فهل يمكن مثلا أن ينكر أحد المدافعين عن الزفزافي وجماعته أنه قال صراخة بأنه يفضل الاستعمار الاسباني على الدولة المغربية ؟ فالفيديو الذي فضح به نفسه مشهور ولا يزال يدور .. فمن العبث أن يطالب الزفزافي وأصدقاؤه في الخارج والداخل بإدانة الاستعمار الاسباني أولا بسبب نتائج احتلاله للمنطقة والعمل على تخلفها ، وإدانته ثانيا لاستعماله الغازات السامة ضد سكان الريف التي لا تزال الدولة المغربية تعاني من المعوقين بسببها في منطقة الريف ، ومع كل هذا وذاك تُبْخِسُ جماعة الزفزافي تضحية عبد الكريم الخطابي وكل الذين دفعوا معه دماءهم ثمنا لتحرير الريف من الاستعمار الاسباني ويتجرأ الزفزافي ليقول " إن الاستعمار الإسباني أفضل من الدولة المغربية " ؟... هنا نعود – كما جاء في بداية الموضوع - لحركة التجديد الإسلامي في الشرق الأقصى ( الهند ) في نهاية القرن التاسع عشر حينما انتشرت تلك العقيدة الفاسدة بين مسلمي الهند كانتشار النار في الهشيم ، حيث كانت تلك الفئة تحظى بتقدير وتمييز عند المستعمر الذي كان يعتمد على ولائها له خاصة وأنه ضَمِنَ انتشارعقيدة جديدة بين هؤلاء المتأسلمين تناصر الاستعمار وتدعم وجوده في الشرق الأقصى.. وكما قلنا كانت حركتهم تلك تسمى في ذلك الوقت " حركة حماية الاستعمار " والدفاع عن وجوده لأنه يحمل ( للمسلمين ) في تلك المنطقة الرقي والحضارة الصناعية ... ها قد عادت هذه النزعة التحريفية التي تمجد الاستعمار وتفضله على وطنها الحر كما صرح بذلك الزفزافي علانية ، فمن ينكر ذلك عليه وهو مسجل بالصورة والصوت ؟ والشيء بالشيء يذكر فقد قَـبِلَ البوليساريو في سنة 2010 " مبدأ الحكم الذاتي " لكن تحت السيادة الإسبانية حينما اختنق البوليساريوومعه النظام الجزائري وبدأت المؤامرة أولا بحملة تُحَمِّلُ إسبانيا مسؤولية تسيير الوضع الإداري في الصحراء المغربية وتعتبرها لا تزال إلى الآن هي المسؤولة عن الصحراء الغربية باعتبارها الدولة المستعمرة ، ثم انتقل المخطط الجهنمي إلى الحديث عن قبول البوليساريو بالحكم الذاتي لكن تحت السيادة الاسبانية ، وهي الخطوة التي مات– دون تحقيقها - الجنرال فرانكو حينما اقترح على الأعضاء الصحراويين في الكورتيس الاسباني أن يعطيهم " الحكم الذاتي تحت السيادة الاسبانية " من يستطيع أن ينكر ذلك ؟ هذه حقائق يكره أن يسمعها النظام الجزائري ولا يجب علينا أن نغض الطرف عنها ، فإن العدو المتربص بوحدتنا الوطنية سواءا في الجزائر أو المغرب أو موريتانيا أو ليبيا أو تونس ، هذا العدو يجد بيننا من يغريه بمنصب أو رئاسة دويلة كما وقع للبوليساريو الذي وقع في فخ وهم صناعة دويلة التي لم ولن ترى النور أبدا بسبب تشبث كل الشعوب المغاربية الخمسة بحلم وحدتهم الذي هو جزء من الحلم الأكبر وهي الوحدة العربية ...
عجبا لهذا الزمان ، كنا نحلم بالوحدة العربية وأصبحنا نستميت فقط من أجل الوحدة الوطنيةقانعون بها وندافع عنها ، ونصارع من أجلها العتاة من دعاة الانفصال الذين يستهزئون بناويسخرون منا فقط لأننا نحمل بين ضلوعنا قلوبا لا تزال تدق بأحلام أجدادنا ....فمن يكون أعداؤنا ؟ فهم حتما بيننا حتى ولو أنكرنا ذلك مدة قرن من الزمان لأنهم لا يعرفون تاريخ أجدادهم ويعرفون فقط التاريخ المزور الذي وضعه لهم أذناب الاستعمار الذين يعيشون بيننا ، فهم لا يتذكرون أجدادهم لأنهم مصابون بذاء النسيان الأبدي ( الزهايمر ) وقد سرقهم منا لصوص الثورات والثروات ، ولكم في جنرالات فرانسا حكام الجزائر خير مثال ...
فما الفرق بين هؤلاء وأولئك الذين كانوا يدافعون عن الاستعمار بحجة أنه قد حمل لهم أسباب الحضارة والتقدم والرخاء ، فهم مستلبون بمنجزات المستعمر ... هؤلاء وأولئك كلهم انفصاليون شئنا أم أبينا ومؤهلون دائما لخوض مغامرات انفصالية .....
سمير كرم خاص للجزائر تايمز