تعرف الحقبة التاريخية التي نعيشها تكثيفا للتزوير والزور وأدواتهما. في كل الأزمنة تم تزوير الحقائق. لكن يكون ذلك بعد مرور الوقت. اليوم نرى التزوير أمام أعيننا بل إنه أحيانا يسبق الواقع. وليس مبالغة أن التزوير يسبق الواقع أحيانا. إحدى القنوات المشرقية تحدثت عن انفجار في مدينة سورية ولم يقع الانفجار إلا بعد الإعلان عنه. وقع خطأ في التنفيذ. وأبدع الإنسان اليوم أشكالا كبيرة من التزوير بل أبدع أدوات للتزوير أغنته عن كل تاريخه.
حراك الحسيمة اجتماعي ومطالبه معقولة. لا يزايد أحد على أحد في الموضوع. لكن كان لهذا الحراك نصيبا من الكذب مثلما له نصيب من الصدق. من صدق الحراك وجود مطالب اجتماعية. مطالب ما كان ينبغي أن تُرفع في العقد الثاني من الألفية الثالثة. من صدق الحراك أن الحكومة كانت غائبة ولا علم لها بما يجري هناك وربما هي لا تعرف ما يجري في الرباط العاصمة.
نصيب الحسيمة من الصدق واضح في كون المطالب المرفوعة حقيقية. لكن حامل الصدق ليس بالضرورة صادقا.
خرجت الناس للشارع. هناك من كانت هجرته للمطلب الاجتماعي. يريد أن يرى أولاده في وضع أحسن. يسعى لتحقيق الحد الأدنى من المكاسب. وهناك من كانت هجرته لأغراض أخرى.
أي حراك كيفما كان نوعه يكون عرضة للاختراق. لما يتحرك الشارع يتحرك معه أصحاب "اللعبة". إذا طغت اللعبة يضيع الحراك وإذا استطاع أن يحصن نفسه يستمر ويحقق المرجو منه.
كان للحسيمة أيضا نصيبها من الكذب. شهادات زور في واضحة النهار. فيديوهات مفبركة. صور مفخخة.
الذي يسعى إلى الحق لا يركب باطلا. من يريد تحقيق المطالب لن يزور الحقائق. من زور؟ من نشر صورا من حملة "زيرو كريساج" على أنها من الحسيمة تأجيجا للغضب؟ ماذا يريد؟ إنه يريد الفوضى. وحينها لن ينفع التغيير حتى لو حصل. إذا حدث أي مكروه للبلد ما قيمة المطالب التي تم تحقيقها حينها.
مواقع متخصصة في صب الزيت على النار. لا خلاف حول الحراك. لكن من حقنا أن نختلف في النظر إليه. مقابل حكومة عاجزة هناك حراك غير مضبوط. من احتج كان معه حق وألف حق وكان من واجب الحكومة الاستجابة ولو وفق أجندة طويلة الأمد. ومن خرب الممتلكات العامة ورشق رجال الأمن والقوات العمومية بالحجارة ليس معه حق. وبقدر محاسبة المتورطين في هذه الأعمال التخريبية يلزم محاسبة ومعاقبة المسؤولين الذين أوصلوا المنطقة لهذا الحد.
لا ملائكة ولا شياطين. قد يكون بعض الموقوفين مظلومين لكن ليس كلهم. وإلا من خرب وهاجم البوليس بالحجارة؟
النظر بغير اندفاع للحراك قد تكون مخرجا له أحسن من "غرارين عيشة". لدينا حكومة لم تتحمل مسؤوليتها في تنمية المنطقة ولدينا حراك حاد أحيانا عن الطريق وارتكب بعض الأخطاء. شد الحبل لن يفيد. لابد إذن من مبادرة تتجاوز ما هو موجود إلى ما هو ممكن. والممكن متاح إذا توفرت الإرادات.