انتهت ما سميت مناظرة حول أحداث الحسيمة تم تنظيمها بمدينة طنجة بدل المدينة المعنية، إلى إصدار توصيات، لكن غاب عنها أن هذه التوصيات لا يوجد من داخل المناظرة الفاعل الحقيقي لتنفيذها ولهذا تبقى غير ذات جدوى. وكان بالإمكان أن تنجح المناظرة لو لم تكن سياسية الغرض منها تحقيق مكاسب في اللحظة الراهنة وليس إيجاد حلول لمشاكل الحسيمة ونواحيها.
المعروف عن المناظرات انه يتم استدعاء المهتمين والمعنيين بالأمر لها، وليس جمع الحطب من أجل إشعال النار فقط، ومناظرة الريف صاحبها كحاطب ليل، استدعى واحدا من حركة 20 فبراير لم يعد له أي دور مجتمعي بعد أن دخل السجن بتهمة ممارسة الشذوذ على قاصر، واستدعى لها محمد الفيزازي، الذي هو مجرد خطيب جمعة سبق أن شتم الحراك، وهكذا دواليك كان الحضور مجرد كائنات مستعدة للكلام.
المناظرة عادة تجمع أطياف المجتمع التي تتوفر على رؤى للقضية، حتى يتم تداول وجهات النظر قصد الخروج بتوصيات في نهايتها، لكن ما جرى هو فتح المجال للكلام لمن هب ودب من خلق الله، مثل ذاك المواطن الذي جاء من الريف ليسب الجميع ويسخر من المؤسسات.
مجرد إطلالة على طريقة استدعاء الحاضرين تبين أن المناظرة لم يتم التهييء لها كما ينبغي بل يبدو أن أصحابها ليسوا جادين في عقد مناظرة بقدر ما هيؤوا فضاء لبعض الناس ليسبوا المؤسسات ويشتموها دون الخروج بشيء يذكر، سوى بعض التوصيات اليتيمة من قبيل إطلاق كافة المعتقلين على خلفية حراك الحسيمة بغض النظر عن تورطهم أو عدم تورطهم فيما وقع، وكأن رجال الشرطة الثلاثمائة، الذين أصيبوا في الأحداث أصابوا أنفسهم كي يحرجوا قادة الحراك.
المناظرة تحتاج إعدادا قويا وتحتاج إلى أرضية للنقاش لم تتوفر فيما رأينا مما سمي المناظرة بالحسيمة، حيث غاب عنها المعنيون بالأمر ولم يحضرها آخرون نكاية في الجهة المنظمة، وبالتالي لم تكن في الموقع المناسب لتنظيمها وكان بالإمكان أن تتكلف بها جهة أخرى.
أي مناظرة تنطلق من أرضية للنقاش بين فرقاء مختلفين، ويتم فيها تقديم الدراسات والوثائق. حوار حول ماذا؟ جمعت بين طرفين لا يجمعهم بالحسيمة سوى تبادل الاتهامات. طرف جاء ليلعن الجميع ويتضامن مع قادة الحراك بدون قيد أو شرط، وطرف جاء ليلعن الحراك ويدافع عن الحكومة بأي ثمن.
في أي مناظرة يتم تهييء دراسات. ومناظرة حول الحسيمة كان عليها أن تقدم للمتناظرين المفترضين دراسات حول طبيعة المنطقة. دراسات حول البطالة والبنيات والتعليم وغيرها على ضوئها يمكن أن تصدر توصيات الغرض منها دفع المعنيين بالأمر للجواب عنها.
المناظرة هي قوة اقتراحية يحضرها المهتمون. لماذا لم تستدع المناظرة بعض المسؤولين المحليين ليقدموا بعض المعطيات؟ لماذا انساقت وراء خطاب الشارع؟
يمكن وصف ما جرى بأنه تجمع أو مؤتمر الغرض منه هو إصدار بيان يطالب بإطلاق المعتقلين على خلفية أحداث الريف وليس مناظرة بتاتا حيث لم تتوفر لها المقومات الضرورية.