أسباب عدم الرضاء الجنسي عند الأزواج عديدة، وسوف أذكر سبباً واحداً يجهله الأزواج ويكون في أغلب الأحيان نقطة انطلاق النزاعات الزوجية، ويبقي مسكوتاً عنه لأنه من الصعب التحدث عنه. وكيف ما كان السبب فالأزواج يُقدمون أسباباً أخرى، وهو ما نسميه "المشاكل الخاطئة" أو "المعادلة الخاطئة"، ولهذا لا يستطيعون التوصل إلى حلول.. لأنه يستحيل حلِّ معادلة خاطئة.
بإمكاني تقسيم طبيعة العلاقة الزوجية إلى محورين رئيسيين:
* مادية: يتعلق الأمر بالحوار والجنس والمال.
* روحانية: المساواة والاحترام التام والمودة والرحمة والشفقة والعطف والصدق والطيبوبة والتفاني والإخلاص...
وللوصول إلى السعادة الزوجية يجب تطوير هذين المحورين بشكل متواز ومتساو. ولن أتحدث سوى عن عنصر واحد من محور العلاقة المادية، وهو "العلاقة الجنسية"، علماً أن كِلا المحورين مترابطان وليس من الممكن تحقيق السعادة الزوجية بتطوير محور واحد على حساب الآخر أو تطوير عنصر واحد على حساب عنصر آخر في المحور نفسه. وهنا نرى أهمية الإنصاف لكِلا الزوجين والاهتمام بجميع عناصر المحورين.
تمر طبيعة العلاقة الجنسية فسيولوجياً وبيولوجياً على عدة مراحل لكي تصل إلى الرضاء والإشباع. ونمثل لهذه المحطات بعمليات على شكل "الشلال" الذي ينطلق أول أمره من منبع ثم يشق طريقه تدريجيا إلى أن ينتهي بالتفرغ في البحيرة.
للأسف ليس باستطاعتي أن أحلل كل محطات "الشلال الجنسي"، وسأكتفي بالحديث عن لعبة "الإغواء" بين الزوجين، والتي تعتبر نقطة الانطلاق (منبع الشلال) والتحضير لعلاقة جنسية ناجحة.
تلاحظون قبل الزواج درجة الاهتمام بلعبة الإغواء، سواء عند الرجل أو المرأة، وكيف أن كل طرف يهتم أولاً بمظهره الخارجي بدقة، مثل تناغم ألوان لباسه أو نظافة حذائه وحلاقة شعره وبالعطر الذي يضعه عليه وبرائحة فمه، وبالخصوص وضع مزيل الروائح في الإبط. باختصار كل طرف يحاول إغواء الآخر، وهذه في حدِّ ذاتها عملية جنسية.. والإغواء المتبادل هو الذي يولد الرغبة لدى الآخر حتى يشق "الشلال" الجنسي طريقه.
أما بعد الزواج يتخلى كلا الطرفين عن لعبة الإغواء، بحيث تفوح من المرأة روائح البصل، ويصبح الرجل كغمام من روائح العرق والإبط والفم وعدم الاستحمام اليومي. وهكذا تغيب الرغبة في الآخر، لأن منبع الشلال "الإغواء" قد جف! والاستمرار على هذه الظروف يخلق نزاعات بين الزوجين، وكل طرف يُحمِّل المسؤولية للآخر، وأنه السبب في فقدان الرضاء على الحياة الزوجية، جاهلين أن كل واحد منهما له مسؤولية مباشرة في ما يحصل من تنافر.
فما هي أسباب غياب لعبة الإغواء عند الزوجين؟
1- الثقافة المغربية:
* الاعتقاد الخاطئ : تعتقد المرأة المغربية أنها إذا أكثرت في لعبة الإغواء فإن زوجها سيعتبر أن لها خبرة كبيرة في الجنس مع الرجال، ويتخذ منها موقفاً سيئاً، وأنها "مَشِ بْنْتْ دارْهُمْ". كما أن المرأة في غالب الأحيان لا تُظهر لزوجها مُتعتها أثناء العلاقة الجنسية خوفاً من أن يظن الزوج أنها ترغب في الجنس بكثرة، وكل امرأة تُحب الجنس فهي "بْنْتْ الزّْنْقَة".
* ازدواجية الفكر الأنثوي: تجعل المرأة ترغب أن يلعب معها زوجها لعبة الإغواء، وأن يكون في الوقت نفسه "رَجْلْ بْكْتافُو وْ مْعْقولْ وْ دُغْرِّ" خارج البيت، بحيث إذا لاحظت أنه يهتم بشكله الخارجي ويستحم كل صباح ويضع العطر ستتذكر الوصية التالية "اِلَ شْفْتي الراجل كَيْشوفْ فْجْنابو وْكَيْحْلّْقْ عْلَ راسو عْرْفِي بْليّ راهْ تْحْلوّ عْيْنِهْ وْ كايْنا شِي وْحْدَة دَايْرَ بِهْ". وهذا ما يجعل الكثير من الرجال على حذر، وتفسد بالتالي لعبة الإغواء بين الزوجين.
* ازدواجية الفكر الذُّكُورِي: تجعل الرجل يرغب أن يجد في زوجته في آنٍ واحد من جهة صورة أمه، "أشرف وأعظم امرأة على وجه الأرض والأكثر عفة"، أو "المرأة لِكَتْجْبْدْ عْلَ عَرَضْها" في جميع الأوقات، ومن جهة أخرى صورة المرأة الجذابة والماهرة في الإغواء وفي تقنيات الألعاب الجنسية أو "العاهرة" في وقت الجماع فقط! فكيف للمرأة أن توفق بين هذين الوجهين؟
* انعدام الحوار الصريح: عدم قدرة المرأة أن تطلب من زوجها أن يستحم يومياً مثلاً أو أن ينظف فمه لأن الرائحة كريهة، أو أن يضع مزيل روائح الإبط خوفا من أن تجرحه، أو بالأحرى أن يعتبر أنها لم تعد ترغب فيه "وْ مَبْقاشْ مْقْنّْعْها" وترغب في رجال آخرين "تْحْلوّلِها العْيْنينْ".. وهكذا تخاف أن تفقد لقب "بْنْتْ الناس وْجابْدَا عْلَ عَرَضْها"، وتفضل أن تبقى بروائح البصل، وأنها دائماً متعبة بمشاق أعمال المنزل.
* اعتبار المرأة "شيئا جنسيا" لتلبية رغبات الرجل، وهذا أمر خطير جداً في ثقافتنا. ولكن في واقع الحياة الزوجية لا تمر الأمور على هذه الطريقة، إذ ترغب المرأة أن تكون شريكة في العملية الجنسية، لكن بدون التعبير الشفوي عن هذه الرغبة، على اعتبار أن هذا أمر طبيعي، وعلى الرجل أن يكون على علمٍ به، ويجب أن يتوقف عن اعتبارها "شيئا جنسيا" يمتلكه ويفعل به ما يشاء. والصمت عن هذا يشكل السبب الرئيسي في شقاء الحياة الجنسية.
2- الثقافة الدينية:
* الاحتكار الذكوري للدّين: لا أتحدث عن الدّين المقدس في جوهره، بل عن الثقافة المفبركة بناءً على التأويلات الذكورية للدّين، ليعزز الرجل موقفه، وبأن المرأة "شيء جنسي" لرضائه جنسياً؛ لأنه يخاف من قوتها جنسياً ويلجأ إلى حرمانها من حقوقها والسطو عليها حتى تبقى يده مسيطرة عليها.
* الخلط بين العفة والإغواء الجنسي
كل هذه التناقضات في الفكر الثقافي المغربي، وغياب التربية الجنسية، تجعل من الطرفين يفقدان بوْصلة الاتجاه في العلاقة الزوجية، ولا يعرفان أي طريق يتخذانه؛ فينشأ سوء الفهم وعدم الحوار والتعبير عن رؤية كل منهما في الحياة الزوجية، ويسيطر الإحباط عليهما مع فقدان القدرة والرغبة في لعبة الإغواء.
*طبيب ومحلل نفساني كاتب وفنان تشكيلي