يعتقد بعض العاملين بثمن ضد وطنهم المغرب أن ما يجري في الحسيمة ونواحيها من حراك هو مقدمة لعودة الربيع للمغرب، وفي ذلك تحقيق لرغبة سيدهم، الذي تجاوزته الأحداث بعد "البلوكاج المزعوم، وهو الذي قال ذات يوم "الربيع العربي راه ما زال كيدور وتقدر ترشق ليه ويرجع". واحد من هذا البعض كتب مقالا في موقع إلكتروني تحت عنوان "عودة الربيع إلى المغرب"، وهو المقال الذي روج فيه لادعاءات ودافع عن مغالطات، تصب في اتجاه الالتحاق الوشيك للمغرب بركب السفينة المهترئة لـ"الخريف العربي"، الذي جر الويلات على الشعوب العربية وخلف أكثر من مليون قتيل وجريح، وعشرات الملايين من اللاجئين وسنوات إلى الوراء من الاقتصاد وتمزيق النسيج المجتمعي، ناهيك عن انتشار ثقافة القتل والكراهية والانتقام.
كاتب المقال له سجل حافل من العداء للوطن، وتحين الفرص قصد المساس بأمنه، حتى أصبح أداة طيعة في أيدي المتربصين، بكل أطيافهم، سواء كانوا انفصاليين أو متطرفين أو غيرهم. وهو مقال مليء بأفكار ملغومة تزور الحقائق وتضلل القراء ببيعهم وهم "الربيع العربي".
إذ كيف يمكن الاستمرار في الثقة بأكذوبة هذا "الربيع"، بعدما وعد شبابا وغرر بهم بشعارات الحرية والكرامة والعدالة وتحسين الأوضاع، في حين لم يأت إلا بشلال دماء ودمار واندحار، فلا عدالة أقيمت، ولا كرامة حصلت، ولا أوضاع تحسنت، ولا خراب توقف؟
لقد كانت خمس دول عربية ضحية هذا الوهم، حيث تحولت هذه الدول إلى محارق جماعية، وسكانها إلى مشردين أو لاجئين، وأطفالهم شوهت براءتهم فأصبحوا يعيشون تحت ضغوط نفسية أو تحت رحمة تجار البشر أو دعاة القتال في بؤر التوتر، فأفرز هذا الدمار جيلا كاملا من الأطفال والشباب كله عنف وتشوهات نفسية وجيلا آخر من الكهولة تم إجهاض أحلامها.
ومن مزاعم صاحب المقال أو أكاذيبه أن استمرار الاحتجاجات بالريف لمدة تفوق سبعة شهور مرده إلى اعتماد الدولة على سياسة التماطل والالتفاف على المطالب الاجتماعية والاعتماد على المقاربة الأمنية في التعامل مع المحتجين، ناهيك عن رفض الحوار وإغلاق قنوات التواصل. فكلامه في هذا السياق مردود عليه، لكن الواقع لا يرتفع ولا يمنح للمغرضين فرصة الخوض في المياه العكرة، إذ أنه منذ الأيام الأولى للاحتجاجات بادرت الجهات المعنية في التعامل مع الحراك، وسارعت إلى فتح قنوات التواصل والحوار مع المتظاهرين في ساحات الحسيمة وشوارع إمزورن، وغيرها من المناطق. كما تم بعدها إيفاد فريق وزاري قصد تسريع المشاريع المبرمجة، ورصد الاختلالات، وإيجاد الحلول الآنية والمتوسطة والبعيدة المدى، وعقدت ندوات مفتوحة للجميع، للاستماع إلى ساكنة المنطقة، والاستجابة إلى تطلعاتها.
لكن ما لا يذكره صاحب المقال هو أن جهات معلومة من داخل المحتجين، كانت تعمد إلى إغلاق باب الحوار، وترفض أي مقترحات في أفق الحل، ساعية إلى إطالة عمر الاحتجاج وتمديد رقعته.
وإذا كان من يعتبر استمرار احتجاجات الريف تراجعا للمغرب على المكتسبات الديمقراطية التي حققها في السنوات الماضية، وبداية لـ"ربيع مغربي جديد"، فهو في واقع الأمر واهم وخارج سياق التاريخ، ذلك أنه لا يزال يؤمن بـ"الربيع العربي" بعد سبعة سنوات من اختلاقه، وما خلفه من مآسي وما صاحبه من ترسيخ لقناعة أن لا تقاطع لطريق الإصلاح مع طريق الفتنة، وإسقاط هيبة الدولة، يمكن نعته بالساذج أو صاحب النية المبيتة الذي يربط بسهولة بين أي حركة احتجاجية كيفما كانت طبيعتها وبين هوسه في الإجهاز على الاستثناء المغربي، متمنيا "إلحاق المغرب بنادي دول الدمار والخراب".
ولقد غرفت الحسيمة ونواحيها، احتجاجات متواصلة على خلفية مقتل بائع السمك، محسن فكري، في حادثة استنكرها الجميع وأدانها المجتمع المغربي لكل أطيافه، أفرادا وجماعات، أحزابا وفعاليات مدنية، واصطف الجميع في صف واحد، مُدينين هذا الحدث.
ولم يتوقف الأمر عند حدود الاستهجان، بل توفرت الإرادة الصادقة لكشف حقيقة ما جرى، وتم رفع الأمر إلى القضاء ليقول كلمته، وهو ما تم بالفعل، بحيث أصدرت العدالة أحكاما في حق المتورطين، كل بخصوص المنسوب إليه، تطبيقا للقانون، وبناء على الأدلة والقرائن المتوفرة.
وحذر والد محسن فكري في معظم خرجاته من اتخاذ روح ابنه مطية لأعداء الوطن، واستغلال حادثة وفاته، للتحريض على أفعال تخدم أجندات خفية، وتستهدف أمن واستقرار البلاد. فكان الرجل في أوج محنته، أشد رزانة وأكثر حكمة وتبصرا، فعرف أن العدو الظاهر أرحم من العدو الخفي، والعدو القريب، أخطر وأبشع من العدو البعيد، إذ يلبس هؤلاء الأعداء قناع المدافع عن الحقوق تارة، والصحافة "المستقلة" تارة أخرى، لكي ينهشوا في جسم الوطن.