فشلت بعض الأصوات النشاز في السمفونية المغربية في نفخ الروح في الاحتجاجات التي يعرفها إقليم الحسيمة.
وكان رهانها الكبير أن تنفخ في هذا الحراك من روح ما يسمى ظلما وعدوانا بـ "الربيع العربي" الذي تحول إلى خريف لم يخلف سوى الأرامل و الثكالى واليتامي و الدمار الشامل بخمسة بلدان عربية لا تزال شعوبها تعيش مأساة اللجوء و الجوع والأمراض والفتنة التي لم تنته بعد.
ولم يتجاوب الشعب المغربي، الذي يعرف جيدا ضريبة الفوضى، مع الدعوات التي يرفعها هؤلاء هنا وهناك تارة باسم الحق في الاحتجاج وتارة باسم صيانة مكتسبات حرية التعبير، لأن المواطنين تسلحوا بوعي ممكن، يعرف حدود إمكانيات بلد رأسماله الوحيد هو أمنه واطمئنانه و مشروعه المجتمعي الحداثي الديمقراطي، الذي يصونه الدستور، ويحرص على حمايته الملك محمد السادس، بكل اليقظة اللازمة.
لقد لعبوا على كل الحبال، بعد الموت التراجيدي لبائع السمك محسن فكري، الذي تجلدت عائلته بالصبر في هذا المصاب الجلل، ولم يجد الصبر إلى قلوبهم سبيلا، من أجل الركوب على الحدث لتأجيج الوضع، و وجدوها فرصة سانحة من أجل الدفع بعجلة الاحتجاج إلى الأمام، من دون أدنى اعتبار لمصالح البلاد.
لم يأخذ هؤلاء بعين الاعتبار تجاوب الدولة مع مطالب المحتجين التي تحولت من طلب "القصاص" ممن يقفون وراء حادث مقتل محسن فكري إلى مطالب اجتماعية واقتصادية في الظاهر، لكنها في الباطن تروم أكثر من ذلك، وهو ما بدا واضحا من خلال الشعارات والأعلام الملوح بها، وما صاحب ذلك من تحركات في الخارج من أجل إضفاء طابع "التمرد" على الاحتجاج، الذي انزاح عن أجندته، إلى أجندة أخرى، غير أن فطنة الدولة جعلت كل ذلك يتحطم على جدار القانون والمؤسسات والمقدسات.
وكان طبيعيا أن تتفاعل كل القطاعات الحكومية مع المطالب، وكان طبيعيا أيضا أن تحرص كل الأجهزة على القيام بدورها في صيانة هبة الدولة وحماية المجتمع من هذا الانحراف الخطير.
إنها أقصى درجة الحكمة التي جعلت الحالمين بعودة الربيع يصابون بلوثة عطس شديد في عز خريف حراك الريف أو على شاهد قبر حركة "20 فبراير".