أصبح الحراك في الحسيمة هو السفينة التي يريد أن يركبها كل من وجد نفسه يغرق في بحر العدمية. فالأحزاب السياسية، التي تحولت إلى وسائط للترقي الاجتماعي، تحاول من خلال هذا الحراك المصالحة مع الشارع، والشارع غير راض عنها، وجماعة العدل والإحسان، التي عانت من غياب مرشدها وفضائح أقاربه والخروج من حركة 20 فبراير، تريد العودة إلى الشارع عن طريق الحراك.
برلمانيون يزورون حقيقة الواقع من أجل نيل رضى الشارع وأصبح ما يقع هناك هو الحاكم والفيصل، ويتهمون الدولة ومؤسساتها بممارسة القمع، ولكن لا أحد من هؤلاء الذين طرحوا الأسئلة وواجهوا الوزراء كان بمكنته أن يضع أمامه تقرير المديرية العامة للأمن الوطني، وهو تقرير يمكن تأكيد معطياته من مصادر مستقلة.
لم يذكر البرلمانيون أن 298 رجل شرطة أصيبوا خلال المواجهات، وبعضهم إصابته خطيرة وشرطي أصيب بكسر خطير على مستوى الجمجمة. ولم يذكر هؤلاء أن 176 عربة وناقلة تابعة للشرطة تعرضت للتعييب أو الإتلاف ناهيك عن أدوات أخرى، وتم تقدير الخسائر بحوالي مليار و400 مليون سنتيم.
البرلماني المحترم يدافع عن الشعب وعن ممتلكات الشعب وميزانية الشعب. البوليس المصابون هم أيضا من الشعب والسيارات والناقلات ملك للشعب والميزانية يتم استخلاصها من جيوب دافعي الضرائب. كان على البرلماني أن يدافع عن هذه الميزانية التي ضاعت بفعل تهور عدد من المحتجين، بدل الحديث عن اعتقالات غير قانونية.
لا نعرف بلدا يقدم الحليب والتمر لمن يقوم بتخريب الممتلكات العمومية والخصوصية ويقوم برشق القوات العمومية بالحجارة. ولا نعرف بلدا يقدم الورد لمن يقوم بزرع الفوضى في الشارع العام. لكن ما غاب عن السياسيين هو أن العمليات الأمنية التي تمت كانت كلها تحت إشراف قضائي واحترمت القانون وكان الغرض منها استتباب الأمن ومنع الفوضى وحماية النظام العام.
هل يوجد في بلد من بلدان العالم، وخصوصا التي تعتبر مثالا في الديمقراطية وحقوق الإنسان، تنظيم مسيرات تحتل الشارع العام دون ترخيص؟ هناك قوانين ينبغي تنفيذها وحمايتها من الانتهاك من قبل مجموعات بشرية غرضها هو زرع الفوضى حتى تتاجر فيها.
مشروعية مطالب الحراك في الحسيمة ونواحيها ليس مبررا للاعتداء على عناصر الأمن. وليس مبررا لتخريب ممتلكات عمومية. وليس مبررا لحرق سيارات وناقلات الأمن وحرق مقر إقامتهم بإمزورن.
المعادلة ليست بالبساطة التي يطرحها بعض السياسيين والبرلمانيين منهم بالخصوص. كما أن الأمر لا يجوز بتاتا أن يكون موضوع مزايدات سياسية بين الفرقاء، لأن هذه المزايدات مجرد لعب بالنار قد تصيب الجميع لا قدر الله.
لقد ظهر عنصر "اللعب" بقوة كبيرة في مسيرة الأحد الماضي، التضامنية مع حراك الحسيمة ونواحيها، حيث خرجت الجماعة التي لم تكن لا في العير ولا في النفير مستعرضة عضلاتها رافعة شعارات سياسية بدل المطالب الاجتماعية وهي مسيرة إهانة للأحزاب حيث هيمنت الجماعة على المشهد.
الحسيمة جزء من المغرب ولسكانها مطالب مشروعة وكثير ممن يتولون قيادة الحراك لا يريدون حلحلة المشاكل لأنهم لن يجدوا بماذا يعيشون. وكثير من السياسيين يريدونها ظهرا يركبون عليه لتحقيق أغراضهم الضيقة. وفي النهاية سيكون الحل بعيدا عن هؤلاء منبعثا من روح خطاب التاسع من مارس.